تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هكذا شرع الجابري بكتابة ما سماه "فهم القرآن الحكيم: التفسير الواضح حسب ترتيب النزول" في ثلاثة أجزاء نشر الجزء الأول منه في شباط (فبراير) عام 2008، والجزء الثاني في تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه، والجزء الثالث والأخير في شباط (فبراير) عام 2009، ويثير العنوان المُركّب للكتاب "فهم القرآن الحكيم: التفسير الواضح حسب ترتيب النزول" وثوقية مفرطة غير معتادة من الجابري، وبشكل خاص يثير العنوان الفرعي "التفسير الواضح حسب ترتيب النزول" الاستفهام عن تسمية هذا "الفهم" بـ"التفسير الواضح"، فمن جهةٍ أولى إن ما يتضمنه هذا الفهم هو "تفسير" (وهذا الـ"تفسير" أمر لا نعثر على أي تعريف له في الأجزاء الثلاثة فضلاً عن كتاب المدخل!)، ومن جهة أخرى فإن "الوضوح"، على ما ذكره في مقدمة الكتاب، يتجلى أولاً في طريقة كتابة القرآن (بما سماه "علامات الإفهام"، والتي تكاد تتطابق مع مدلول علامات الترقيم، فهي علامات يزعم أنها تساعد على فهم القرآن "بوضوح") وفي طريقة فهمه، فبأي معنى يقصد الجابري "الوضوح" كصفة لتفسيره؟

يعزو الجابري فكرته عن "فهم" القرآن إلى عبارة للإمام الشاطبي، في كتابه الذائع "الموافقات"، التي يقول فيها إن "المدني من السور ينبغي أن يكون منزلاً في الفهم على المكِّي، وكذلك المكّي بعضه مع بعض على حسب ترتيبه في التنزيل، وإلا لم يصح (الفهم) "، غير أن الشاطبي لم يكن يقصد بـ"فهم القرآن" مقرونا بعبارة "القرآن يشرح بعضه بعضاً" ما استخلصه الجابري من أنه يعني فهم الكتاب. والحقيقة أن فكرة الشاطبي تتجاوز مبدأ فهم القرآن، وفق ترتيب النزول "مساوقاً فعلاً لمسيرة الدعوة"، أي "قراءة القرآن بالسيرة، وقراءة السيرة بالقرآن"، على حد تعبير الجابري، الذي يرى أن "تسلسل سوره، حسب ترتيب النزول، يُباطنه تسلسل منطقي سرعان ما نكتشفه عندما نتنبَّه إلى الموضوع الذي تركز عليه هذه المجموعة من السور أو تلك في تسلسلها، وبالرجوع إلى وقائع السيرة نكتشف أن ذلك المنطق، الذي يُباطن تسلسل السور داخل كل مجموعة، يتطابق في مضمونه مع تسلسل هذه الوقائع"، فالشاطبي يرى أن كليات القرآن نزلت في أوائل السور المكية، وأن ما نزل بعدها مستند إلى هذه الأصول. فإذا تقرر أن الشاطبي يرى في الخطاب القرآني كلاً واحداً يستند بعضه إلى بعض، آخره إلى أوله، وأوله إلى آخره، ومن كلياته إلى فرعياته، ومن مكيه إلى مدنيه، وهذا يعني أن مسألة مسايرة الحوادث الواقعة بالسيرة في فهم القرآن أمر غير مقصود من كلام الشاطبي.

من حق الجابري أن يرى أن تفسير القرآن مواكب لأحداث السيرة، فهذا أمر لا يمكن للمرء أن يقطع بخطئه، غير أنه ليس من حق الجابري نسبة ذلك وتأسيسه على الشاطبي الذي لم يكن يخطر بباله ما فهمه الجابري منه، ولا كان مقصوداً في شيء من كلامه.

يؤسس الجابري فهمه للقرآن على أقسام المدني والمكي، وتقسيم مكيِّ القرآن تقسيماً سداسياً مستوحىً بشكل واضح من تقسيم نولدكه الذي أخذه عنه بلاشير. وعلى الرغم من أن الجابري انتقد تقسيم بلاشير (المنقول عن نولدكه) الآنف الذكر "إجمالاً، بأنه لا جديد (فيه)، فالتحقيب الذي اعتمده بلاشير مبني على التمييز بين خصائص القرآن المكي ومميزات القرآن المدني، وهي أمور معروفة، وقد فصل القول فيها كثير من المؤلفين المسلمين قديماً وحديثاً. أما ترتيب السور داخل هذا التحقيب، سواء كمجموعات، أو داخل كل مجموعة على حدة، فلا شيء يفسِّره، فقد جاء اعتباطياً إلى حد كبير"!!، وذلك على الرغم أن تقسيم بلاشير، كما هو واضح، محاولة لمطابقة موضوعات السور مع السيرة النبوية، إلا أن الجابري عاد واعتمد على المعيار نفسه؛ أي "المطابقة بين المسارين: مسار السيرة النبوية، والمسار التكويني للقرآن" في تقسيم القرآن إلى مراحل ويستوحي التقسيم ذاته لنولدكه!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير