والثاني: أن المراد الكواكب العلوية وهذا الذي رجحه بن عاشور هنا، وهذا محل نظر من ناحية اللغة ومن ناحية الحقيقة.
وهنا نلاحظ أن بن عاشور رحمه الله تعالى كغيره من المفسرين ينقل أقوال السلف ويجتهد من خلال اللغة ومن خلال المعارف البشرية والنظر في الكتب السابقة.
ومثال اجتهاده في التفسير من خلال اللغة قوله رحمه الله:
"ووزن استوى افتعل لأن السين فيه حرف أصلي وهو افتعال مجازي وفيه إشارة إلى أنه لما ابتدأ خلق المخلوقات خلق السماوات ومن فيها ليكون توطئة لخلق الأرض ثم خلق الإنسان وهو الذي سيقت القصة لأجله."
وهذا محل نظر
ثم لننظر إلى ترجيح بن عاشور رحمه الله تعالى إلى أن المراد بالسموات السبع هي الكواكب السيارة حيث يقول:
"وقد عد الله تعالى في هذه الآية وغيرها السماوات سبعاً وهو أعلم بها وبالمراد منها إلا أن الظاهر الذي دلت عليه القواعد العلمية أن المراد من السماوات الأجرام العلوية العظيمة وهي الكواكب السيارة المنتظمة مع الأرض في النظام الشمسي ويدل لذلك أمور:
أحدها: أن السماوات ذكرت في غالب مواضع القرآن مع ذكر الأرض وذكر خلقها هنا مع ذكر خلق الأرض فدل على أنها عوالم كالعالم الأرضي وهذا ثابت للسيارات.
ثانيها: أنها ذكرت مع الأرض من حيث إنها أدلة على بديع صنع الله تعالى فناسب أن يكون تفسيرها تلك الأجرام المشاهدة للناس المعروفة للأمم الدال نظام سيرها وباهر نورها على عظمة خالقها.
ثالثها: أنها وصفت بالسبع وقد كان علماء الهيئة يعرفون السيارات السبع من عهد الكلدان وتعاقب علماء الهيئة من ذلك العهد إلى العهد الذي نزل فيه القرآن فما اختلفوا في أنها سبع.
رابعها: أن هاته السيارات هي الكواكب المنضبط سيرها بنظام مرتبط مع نظام سير الشمس والأرض، ولذلك يعبر عنها علماء الهيئة المتأخرون بالنظام الشمسي فناسب أن تكون هي التي قرن خلقها بخلق الأرض. وبعضهم يفسر السماوات بالأفلاك وهو تفسير لا يصح لأن الأفلاك هي الطرق التي تسلكها الكواكب السيارة في الفضاء، وهي خطوط فرضية لا ذوات لها في الخارج.
هذا وقد ذكر الله تعالى السماوات سبعاً هنا وفي غير آية، وقد ذكر العرش والكرسي بما يدل على أنهما محيطان بالسماوات وجعل السماوات كلها في مقابلة الأرض وذلك يؤيد ما ذهب إليه علماء الهيئة من عد الكواكب السيارة تسعة وهذه أسماؤها على الترتيب في بعدها من الأرض: نِبْتون، أُورَانوس، زُحَل، المشتري، المريخ، الشمس، الزهرة، عطارد، بلكان.
والأرض في اصطلاحهم كوكب سيار، وفي اصطلاح القرآن لم تعد معها لأنها التي منها تنظر الكواكب وعُد عوضاً عنها القمر وهو من توابع الأرض فعده معها عوض عن عد الأرض تقريباً لأفهام السامعين.
وأما الثوابت فهي عند علماء الهيئة شموس سابحة في شاسع الأبعاد عن الأرض وفي ذلك شكوك. ولعل الله لم يجعلها سماوات ذات نظام كنظام السيارات السبع فلم يعدها في السماوات أو أن الله إنما عد لنا السماوات التي هي مرتبطة بنظام أرضنا."
وهنا يلاحظ أن كل مرجح من المرجحات التي ذكرها رحمه الله يمكن أن يعترض عليه وإبطاله.
هذا والله أعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد
ـ[إبراهيم الحميدان]ــــــــ[04 Jun 2010, 04:37 م]ـ
أخي الكريم أبوسعد الغادي
إضافة موفقة ومفيدة
وعند ذكر بعض المسائل ونقدها
فذلك من أجل تحريك الذهن واستثارة مكنوناته
وعدم التسليم بالأقوال ما لم تكن من معصوم
وما سطرته في ردك داخل في ذلك استفدتُ منه كثيراً
فبارك الله في علمك ونفع بك
والحق ضالة المؤمن
ـ[محمد نصيف]ــــــــ[04 Jun 2010, 08:43 م]ـ
يبدو أني سأظل في واد والأخوان - فهد وأبو سعد - في واد آخر فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[04 Jun 2010, 10:47 م]ـ
يبدو أني سأظل في واد والأخوان - فهد وأبو سعد - في واد آخر فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أخانا الحبيب
لا زلنا معك في نفس الوادي، وادي بن عاشور رحمه الله تعالى.
ولسنا هنا بصدد الحكم على تفسير بن عاشور رحمه الله تعالى وتقييمه، وإنما هي مدارسة ونظر في ما قيل وكتب وكل واحد له وجهة نظره وليست ملزمة لغيره.
فمثلا لو تسألني عن تفسير بن عاشور أقول هو من أحب التفاسير إلي وأجد متعه في النظر فيه واستفدت منه كثيرا ونقلت عنه، ولكن يبقى كغيره من المفسرين يؤخذ من قوله ويرد، وهناك دراسات ورسائل حول تفسيره رحمه الله وما جاء في تلك الدراسات وما خرجت به من أحكام هي أيضا كغيرها محل أخذ ورد.
فطول بالك بارك الله فيك وقد استفدت من مشاركتك وأوافقك على بعض النقاط الجيدة التي ذكرتها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[عبد الحميد البطاوي]ــــــــ[08 Dec 2010, 01:30 ص]ـ
كلمة عن تفسيره كنت كتبتها في كتاب لى " أهل التفسير" .... وهذا الكتاب الجامع قد حوى دررا،وجمع كنوزا، ولم يعتمد صاحبه على النقل فحسب؛بل كانت له ابتكارات وتعليقات مفيدة، وردود عديدة وترجيحات سديدة، كما أنه يوضح ما في الكشاف من الغوامض كأنه شارح للكشاف؛ بل وما في حواشي الكشاف, وكان يستدرك عليهم وكذلك حواشي البيضاوي، كما أنه يشرح الشواهد الشعرية وينسبها لقائليها، وكان يضبط الأعلام وله اهتمام بالأحاديث والآثار, وله جهد واضح في بيان الصواب في مرويات أسباب النزول وترجيح ما قيل في المكى والمدني والترجيح في غيرها من المسائل الهامة معتمدا على الآثار؛ بيد أنه نقل نقولا من العهد القديم و العهد الجديد واعتمد عليهما كثيرا في تفسير ما يتعلق بأهل الكتاب وقصص الأنبياء وذِكر المبهمات؛ كما قدم كتابه بمقدمات طيبة تتعلق بعلوم القرآن الكريم والقراءات.
فوائد من تفسيره: قال:وقد رأيت المحسنات في البديع جاءت في القرآن أكثر مما جاءت في شعر العرب [1] ( http://www.tafsir.net/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=104837#_ftn1).
[1] (http://www.tafsir.net/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=104837#_ftnref1) التحرير والتنوير1/ 119
¥