تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأحيانا الأراء والأقوال الضعيفة قد تقود إلى الأراء الحقة والأقوال الصائبة فهي كثيرا ما تدفع طالب العلم إلى المراجعة والدراسة والتثبت حت يقع على الحقيقة، وكمثال على ذلك كلام بن عاشور حول الآية 29 من سورة البقرة فقد رجعت إلى كلامه رحمه الله تعالى فوجدت أنه يدفع طالب العلم إلى الدراسة والبحث.

وهذه بعض الملاظات على ما وقفت عليه من كلامه رحمه الله تعالى:

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة (29)

بعد أن ذكر رحمه الله تعالى دلالة العطف بـ"ثم" قال:

"فأما هذه الآية فإنه إذا كانت السماوات متأخراً خلقها عن خلق الأرض فثُم للتراخي الرتبي لا محالة مع التراخي الزمني وإن كان خلق السماوات سابقاً فثُم للترتيب الرتبي لا غير. والظاهر هو الثاني."

فهو يرجح أن السماوات خلقت قبل الأرض.

ثم ذكر خلاف علماء السلف فقال:

"وقد جرى اختلاف بين علماء السلف في مقتضى الأخبار الواردة في خلق السماوات والأرض فقال الجمهور منهم مجاهد والحسن ونسب إلى ابن عباس إن خلق الأرض متقدم على خلق السماء لقوله تعالى هنا: {ثم استوى إلى السماء} وقوله في سورة حم السجدة (9 11): {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} إلى أن قال: ثم استوى إلى السماء وهي دخان.

وقال قتادة والسدي ومقاتل إن خلق السماء متقدم واحتجوا بقوله تعالى: بناها رَفع سمكها فسواها إلى قوله: {والأرضَ بعد ذلك دحاها} [النازعات: 27 30]."

ثم ذكر الجواب على قول من قال بأسبقية خلق السماء بقوله:

" وقد أجيب بأن الأرض خلقت أولاً ثم خلقت السماء ثم دُحيت الأرض فالمتأخر عن خلق السماء هو دحْو الأرض، على ما ذهب إليه علماء طبقات الأرض من أن الأرض كانت في غاية الحرارة ثم أخذت تبرد حتى جمدت وتكونت منها قشرة جامدة ثم تشققت وتفجرت وهبطت منها أقسام وعلت أقسام بالضغط إلا أن علماء طبقات الأرض يقدرون لحصول ذلك أزمنة متناهية الطول وقدرة الله صالحة لإحداث ما يحصل به ذلك التقلب في أمد قليل بمقارنة حوادث تعجل انقلاب المخلوقات عما هي عليه."

والملاحظ هنا أنه ذكر ما يسند القول الأول الذي يقول أن الأرض خلقت أولاً ثم السماء بعدها ثم دحيت الأرض بعد ذلك بقول علماء طبقات الأرض حيث إن كلامهم يدل على أن الدحو أمر حدث مستقل عن إيجاد الأرض، وهذا الأمر في نظري له وجاهته إذا تأملنا الآيات من سورة النازعات ودلالة مفرداتها، ولكن بن عاشور رحمه الله تعالى يستبعد هذا القول ـ حسب فهمي لكلامه ـ للعلة التي ذكرها المتعلقة بقدرة الله تعالى.

ثم بعد ذلك رجح القول بأن السماء خلقت أولاً فقال:

"وأرجح القولين هو أن السماء خلقت قبل الأرض لأن لفظ {بعد ذلك} أظهر في إفادة التأخر من قوله: {ثم استوى إلى السماء} ولأن أنظار علماء الهيئة ترى أن الأرض كرة انفصلت عن الشمس كبقية الكواكب السيارة من النظام الشمسي. وظاهر سفر التكوين يقتضي أن خلق السماوات متقدم على الأرض. وأحسب أن سلوك القرآن في هذه الآيات أسلوب الإجمال في هذا الغرض لقطع الخصومة بين أصحاب النظريتين."

وهنا نلاحظ أنه اعتمد في ترجيحه على أمر ثلاثة:

الأول: اللغة.

الثاني: أقوال أهل الهيئة وهذا محل نظر كبير ويمكن مناقشة مدى صحة مثل هذا الاستدلال فعليه ملاحظ كثيرة.

الثالث: استدلاله بما جاء في سفر التكوين وهو محل نظر أيضاً.

ثم ذهب إلى بيان معنى السماء وذكر احتمالين فقال:

"والسماء إن أريد بها الجو المحيط بالكرة الأرضية فهو تابع لها متأخر عن خلقها، وإن أريد بها الكواكب العلوية وذلك هو المناسب لقوله: {فسوتهن سبع سموات} فالكواكب أعظم من الأرض فتكون أسبق خلقاً وقد يكون كل من الاحتمالين ملاحظاً في مواضع من القرآن غير الملاحظ فيها الاحتمال الآخر."

وإذا تأملنا كلا الاحتمالين الذين ذكرهما نجد أنهما محل نظر:

فالأول: وهو أن السماء المراد منها الغلاف الجوي فهذا يصدق عليه أنه سماء وهذا هو الذي نراه خلال النهار، ولكن هل هو المراد في الآية هذا يجب أن ينظر فيه من خلال النظر في بقية الآيات التي تحدثت عن خلق السماء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير