وحدد عارف عددًا من السلبيات التي تتصف بها المراكز البحثية العربية منها:
- عدم وضوح الوظيفة: فمعظم هذه المراكز العربية لا يوجد لديها وضوح في الوظيفة، أي أنها تتصف بغياب وجود مجال معين للتخصص.
- عدم وضوح الهدف: حيث تفتقد هذه المراكز بدرجات متفاوتة وضوح الأهداف؛ فهي لم تحدد أهدافها سواء كانت أكاديمية فكرية أم سياسية أم هما معا وبأية نسبة.
- الفساد الإداري: حيث تعاني هذه المراكز من الفساد الإداري، وتفتقد قيم المحاسبة والمراجعة، فمن النادر أن تجد مركزًا واحدًا في العالم العربي ينشر ميزانيته.
- فقدان الاستقلال المالي: فهذه المراكز مفتقدة للاستقلال المالي؛ لأنها لا تبنى، برأي الباحث، لا على أوقاف ولا على مؤسسات تمويل مستقلة، ومن ثم تكون خاضعة لعلاقات تبعية جهوية أو حزبية أو سياسية.
- البعد عن الواقع: فهذه المراكز مقطوعة الصلة بالواقع وهو ما يشكل الداء القاتل لهذه المؤسسات؛ لأنها لا تستطيع، أن تقنع المجتمع بخلاصاتها، ولا صانع القرار بتوصياتها، ولا تستطيع أن تجذب رجل الأعمال أو الإداري أو صاحب الرأسمال؛ لأنها لا تستطيع أن تقدم له مصلحة، فيساهم في تمويلها.
ولم يكتف عارف بالتشخيص الجيد للمشكلة، وإنما وضع عددًا من العلاجات والحلول للنهوض بالمراكز البحثية العربية لها منها:
- النهوض بالثقافة: على اعتبار أن الحل يبدأ من إحداث صحوة وتغيير في الثقافة والمزاج الثقافي العام من خلال إيقاظ مفهوم فروض الكفايات، والكفاية هنا تعني أن يقوم به عدد كاف وكفء لتحقيق الوظيفة.
- التحديد والتخصص: إذ لا بد أن تتبنى مراكز الأبحاث خطابًا متعدد المستويات، خطابا يفهمه الإنسان العادي فيحركه، ويفهمه الإداري والسياسي الذي لا يريد إلا أشياء عملية واقتراحات محددة، ويصلح أن يتعامل معه الباحث أو الأكاديمي كمجموعة أفكار، وليس خطابًا نخبويًّا.
- الارتباط بالواقع: فلا بد لهذه المراكز أن ترتبط بالواقع وأن تبدأ بالواقع، في البداية من الأدنى إلى الأعلى وليس العكس، فلا بد أن تقوم هذه المراكز بتقديم الحلول، أي التركيز على تقديم حلول لمشاكل واقعية، وعدم التركيز كثيرًا على السلبيات.
- الاستقلال: فيجب على هذه المراكز أن تظهر للمجتمع أنها مستقلة عن أي خلفيات حزبية أو سياسية.
- الواقعية: فلا بد أن تكون هذه المراكز واقعية في طموحاتها، وألا تتعامل بطموحات أعلى من إمكانياتها المادية.
- البرامج الإستراتيجية: بمعنى أن تقوم المراكز على وضع برامج طويلة المدى، وألا تتحرك بمنهج الإدارة اليومية، وأن تبتعد في ممارستها لعملها ودورها عن سياسة ردود الأفعال.
وختم عارف مداخلته بالتأكيد على أننا في العالم العربي في عصرنا الحالي نعيش في وضعية أن الآخر هو الذي يضع لنا أجندتنا؛ فأجندتنا ليست من أنفسنا، أي أن الأجندة الفكرية والثقافية والمواضيع التي نكتب فيها والقضايا التي ننشغل بها، معظمها وضعها طرف آخر.
===============
مصطفى المرابط: مهمات المثقف: أي دور في ظل مؤسسات المعرفة؟
استهل الباحث الدكتور مصطفى المرابط مداخلته بالتذكير بأمرين:
أولهما: يرتبط بالوضع العالمي الإنساني العام، مبينا أن التحولات النوعية التي أدت إلى هدم مرتكزات العمران البشري، وانهيار نظام القيم، وتهاوي معالم الاهتداء، وموت المعنى جعلت المثقف والباحث والعالم يحس أن القاطرة قد سبقته بمسافات زمنية، وقد ييأس في طلب اللحاق بها.
وثانيهما: يتمثل في الوضع العربي الإسلامي، المتسم بتردي الأوضاع وتراكم الأزمات والانكسارات والإحباطات والتفكك على كل المستويات، وتنامي الصراعات والانفجارات والتوترات في كل مكان.
* مثقف المؤسسة ومثقف المجتمع
على ضوء هذين الاعتبارين تساءل المرابط: هل ما زال للمثقف دور في عالم اليوم؟ وهل ما زال المثقف ضروريا لمواجهة هذه التحديات التي يطرحها العالم؟ وما حدود إمكانية فهم المثقف لهذه التحديات أمام سرعة وتيرة الأحداث والتحولات التي يعرفها العالم؟ وما الذي يمكن أن يقوم به هذا المثقف أمام هذه التحديات؟ وما الأدوار والوظائف المطلوبة منه لمجابهة هذه الأزمات والتحديات؟
وقد أبدى المرابط ملاحظتين قبل مناقشة هذه الإشكاليات، وهما:
¥