تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- أننا ننظر إلى المثقف كهيكل له بنية وله منطق وله امتيازات، ولا يدخل هذه البنية أي إنسان، فهي قلعة تمنح لمن دخلها ذهنية ونفسية وتحدد له أدوارا ووظائف، كالقيادة والتبليغ والتثقيف والتنوير، هذا التصور أصبح حاجزا للمثقف عن محيطه يحول دون تواصله مع الجماعة، مع العلم أن المثقف برز ونشأ أصلا استجابة لتحديات وتساؤلات الجماعة.

- حداثة مفهوم المثقف الذي انتقل إلى فضائنا العربي الإسلامي كغيره من المفاهيم والمفردات، ليبحث له عن وظيفة في فضاء مغاير ومختلف عن الفضاء الذي نشأ فيه. ويرى المرابط أن ظهور الأحزاب وغيرها من المؤسسات مع نشوء الدولة الحديثة، رافقه ظهور فئة كلسان حال هذه المؤسسات الجديدة، لتقوم بدور التعبئة والمواجهة والتغيير؛ لذلك كانت مهمة المثقف تتحدد في علاقة جدلية بين المثقف والسلطة، وأن علاقة المثقف بالمشاريع التي بشر بها كالتقدم والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والحداثة والتنمية ... إلخ ليست علاقة إنتاج وإبداع، بقدر ما هي علاقة ترويج ودفاع وتبشير؛ أي أن المثقف لم يعمل على إبداعها وإنتاجها في فضائها، ومن ثم نشأ ما يمكن تسميته بمثقف المؤسسة وليس مثقف المجتمع.

وتأسيسا على ذلك يرى المرابط أن الوضع يؤشر أو يتجه نحو نهاية نوع من المثقف وليس نهاية المثقف، الذي كان قائما على أساس الهدم ورد الشبهات، مضيفا أن مشكلة المثقف اليوم لم تعد -كما كانت في الماضي- مع الدولة أو المجتمع، بل تكمن أساسا في أفكاره وفي شخصيته وفي علاقاته مع الفضاء الذي ينتمي إليه، هذا المثقف الذي حاول أن يراجع ويسائل كل شيء من حوله، لم يقم بمساءلة شيء واحد، وهو مساءلة نفسه ونظام قيمه ومعرفته وعلاقته بالمجتمع الذي ينتمي إليه.

* المثقف المؤطر

وأوضح المرابط أن الثقافة هي جملة الإجابات والمهارات والخبرات التي يكتسبها الإنسان من خلال تعاطيه مع أسئلة محيطه، وهي تتركب من ثلاثة أركان:

1 - إدراك صورة للعالم والكون.

2 - التكييف مع المحيط.

3 - تكييف محيطه مع ما يسعى إليه.

ومن ثم فالمثقف ليس فردا نخبويا متعاليا على المجتمع، ولكن المثقف في رأيه هو كل إنسان ينخرط في فضائه ويرتبط به، لذلك أبدى المرابط تحفظه على كلمة مثقف، مستعيضا عنها بكلمة العالم، والصورة التي يعطيها الباحث للعالم هي صورة الشهادة على الإنسان وعلى الذات والعالم؛ لأن الشهادة بقدر ما تعني الحضور والمراقبة والأداء فإنها تعني الانخراط والاحتفاظ بالشعلة دائما مضيئة وسط المجتمع؛ فالعالم ليس بمقدار ما يعلم بل بمقدار ما يعمل بما يعلم.

وارتباطا بالتحولات التي يعرفها العالم، يسجل الباحث تراجع دور النخب المثقفة والأحزاب وباقي المؤسسات بكل أصنافها التي لم تعد تصنع العالم، بل الذي أصبح يصنع العالم هو صنف آخر من المؤسسات التي تتمثل في وسائل الإعلام وأسواق السلع والبورصة ودور الموضة والفن؛ فهذه المؤسسات تقوم على إعادة تشكيل وبناء المخاييل الجماعية التي تبنى فيها الصور الذهنية، التي بها نرى ونشاهد العالم، ولا تقوم على إعادة تشكيل العقل الذي هو وظيفة المفكر.

فالعالم قبل أن يكون ظاهرة واقعية، هو صورة ذهنية، وهذه الصورة الذهنية ترسخت وترسمت من خلال عمل هذه المؤسسات، وبالتالي فإن العمل اليوم بالنسبة للعالم -في اعتقاد الباحث- هو التحرر من قيود المؤسسة، من أجل الانتقال من مثقف المؤسسة إلى مؤسسة المثقف، من عالم المؤسسة إلى مؤسسة العالم. والعالم بطبيعته كما يقول إدوارد سعيد، هو دائما خارج الذات، خارج المجتمع، خارج المؤسسة، وهذا الهامش هو الذي يسمح له بمساحة من الحرية بينه وبين الموضوع الذي يفكر فيه والذي يريد أن يغيره.

ويرى المرابط أن مهمة العالم اليوم هي التصدي لهذه التحديات التي تسعى لتفسيخ وتفكيك بنية الإنسان كإنسان، من خلال إعادة تشكيل هذه المخاييل؛ فالكلمة اليوم -برأيه- لم تعد لها ذلك الدور الريادي في التغيير والتعبئة بقدر ما أصبحت الثقافة الرمزية هي الأساس في إعادة بناء المخاييل، وعليه فمهمة العالم اليوم تقوم على وظيفتين: وظيفة تفكيك المخاييل التي تأسست، ووظيفة إعادة بناء هذه المخاييل من جديد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير