وحول مدى قدرة وإمكانية مساهمة العالم المنتمي لفضاء متخلف ومنحط في تفكيك وإعادة بناء يؤكد المرابط أن العولمة بقدر ما تفتح من شرور، فإنها تحمل فتوحات تسمح للعلماء أن يساهموا في ترشيد مسيرة الإنسانية في عالم سمته الافتقاد لمعالم الاهتداء ولنظام قيم يضبط وجهته ومسيرته ويفتقد إلى منظومة أخلاقية ترشده وتوجهه وتعيد إنسانيته.
وعمل العالم في المستقبل ضمن هذا السياق ينحى برأي الباحث منحيين أساسيين:
- اتجاه يسعى إلى عمارة محيطه من خلال بسط ذكائه، وهذا عمل مشترك بيننا وبين كل البشرية جمعاء.
- اتجاه عمارة النفس من خلال بسط الأخلاق لينتج ما نسميه بالثقافة، وهذا الاتجاه يحكمه سؤال كيف أحيا؟
وأمام تفاقم التحديات والأزمات يرى الباحث أن العالم أمامه مهام مستعجلة لتبيان أسباب وجذور هذه الأزمات، التي لا تزيد مع الزمن إلا اتساعا واستفحالا، وهو ما يخلق ضرورة التحرر من المؤسسة التي من طبيعتها المحافظة، والتحرر من المؤسسة ليرى الفضاء كما هو، لا من خلال المؤسسة المنتمي إليها، سواء أكانت حزبا أم غيرها من المؤسسات التي تؤطر المثقف.
* الغرب ليس واحدا
وإزاء الوضع الذي يتسم به الفضاء العربي الإسلامي، والذي يزخر بكل المقومات التي يمكن أن تشعل في كل لحظة من اللحظات حروبا أهلية ثقافية، يرى المرابط أن هناك مهمتين أمام العالم هما:
- كيفية نزع فتيل هذه الحروب الأهلية الثقافية التي يضرب على وترها أكثر من جهة خارجية؟ ولذلك فهناك ضرورة للمسارعة إلى إبراز بعض المقومات الأساسية التي لا يجوز فيها الاختلاف، من أجل تحقيق الإجماع حولها، لا سيما أن الفضاء العربي الإسلامي لم يعد بكرا بل أصبح مخترقا ومنقسما عموديا، وأخطر أنواع الانشطار الذي أصاب هذا الفضاء هو الانشطار على مستوى المرجعية.
- المساهمة في البناء الحضاري للعالم، الذي أصبح سفينة واحدة بدون بوصلة، مع تراجع معالم الاهتداء وتشظي المعنى وغياب القيم، من هنا تكمن أهمية مساهمة العالم من عندنا في ترشيد مسيرة الإنسانية.
وحول هذه النقطة يؤكد الباحث أنه لا شك أن الغرب استيقظ على حقيقة روعته في الوقت الذي كان يعتقد أنه سكَّننا وتحكم في كل أجزاء حياتنا على كل مستوياتها، لكنه وجد أنه بقدر ما كان يسكِّننا سكَّناه، واكتشف أننا جزء ومكون من خارطته، وأن الإسلام ليس طارئا كما كان يعتقد في الأبحاث السوسيولوجية خاصة، التي كانت تربط دخول الإسلام إلى أوربا بدخول المهاجرين، بل الإسلام كان حاضرا في خاصرة أوربا في مالطا والأندلس ومكونا من مكوناتها، لذلك يرى الباحث أنه من المغالطة الكبيرة أن نكرس الفكرة التي يرددها الغرب، أن الغرب له مكونان أساسيان فقط: المكون الإغريقي الروماني والمكون اليهودي المسيحي.
النقطة الأخرى التي آثر الباحث التوقف عندها، هي التأكيد على أن الغرب ليس واحدا وليس جنسا موحدا ذا صفات موحدة، بل الغرب اتجاهات وتوجهات.
ويضيف الباحث أنه لا شك أنه في غمرة ما يصيب الأمة من مرارة الغضب وردود الفعل التي تعقب ما نعرفه من غزوات ومن استعمار ومن نهب، لا شك أن هذا الإحساس يستبد بالعواطف والنفوس، وعندها تخفت ملكات التفكير أو يتوقف التفكير ولا يكون إلا رد الفعل، فيبدو العالم كأنه ظلمة كله ويبدو الغرب وكأنه شر كله، وهنا تتجلى مهمة العالم والمتمثلة في تصويب الرؤى والموازنة بين العاطفة والعقل، وهو ما يشكل الشرطين الأساسيين لحسن إدارة المعركة، وهو ما لا يقدر على استيفائهما إلا أهل الفكر والعلم من رجال هذه الأمة.
وفي إطار هذا التصويب، يرى المرابط أنه لا بد من الإقرار بأن الغرب ليس كتلة واحدة، بل تخترقه وتختمر داخله تيارات وأصوات رافضة لقيم الغرب الاستعمارية والنزوع الإمبريالي، وهو ما يفرض ضرورة المساهمة في مساعدة هؤلاء المثقفين من الخروج إلى هامش هذه الحضارة، مع الدعوة إلى رفع شعار الحق في التنوع الثقافي؛ لأن التنوع الثقافي قبل أن يكون فرصة لنا هو فرصة ذهبية للغرب نفسه؛ لأن التنوع الثقافي تنوع في البدائل وفي المخارج من الأزمة.
==============
مراكز الأبحاث ومحددات العمل الوطني
¥