تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أين عُمَّاره الألى عمَروه * دهرَهم في تلاوة وصيام؟

أين فتيانه الحسان وجوهًا؟ * أين أشياخه أولو الأحلام؟

بأبي تلكم العظام عظامًا * وسقتها السماءُ صوبَ الغمام!

وعليها من المليك صلاة * وسلام مؤكد بسلام!

* * *

والقصيدة التي معنا من مجزوء الخفيف، أي على: "فاعلاتن مستفعلن"، نحو:

أيها الركب سلِّموا * وقفوا كي تَكَلَّموا

وتقضوا لُبانة * وتحيُّوا وتغنموا

قال في وصفه عبد الله الطيب في كتابه المرشد إلى فهم أشعار العرب: " وهو خفيف النغم، كأن صاحبه يضرب دفًّا في مجمع رقص، وفيه صخب وجلبة، ولا يكاد يصلح فيما أرى إلا للألفاظ التي تُسرد سردًا، من غير مراعاة للمعنى "، ثم عاد من بعد وقال: " وهذا البحر يصلح للتغني بالألفاظ العذبة، والعواطف الرقيقة في غير تعمق، ومع هذا فالمنظوم فيه ليس بكثير ولا مشهور، اللهم إلا المتصوفة فإنهم قد استفادوا به كثيرًا في أناشيدهم ".

وليس الحكم على الأوزان وما تصلح له، ووصف نغمها وما يلقيه في النفس، بالأمر اليسير، ولا الذي تنفع فيه الأحكام القاطعة، ولكل ناظر أو سامع أن يرى أو يسمع الشيء على غير ما يراه ويسمعه غيره. على أن الأوزان القصيرة كلها تناسب الإيجاز، ويبدع فيها القادر عليه، فهي أنفع في الوصف، وأبعد عن شرح المعاني، وهي كلها سريعة الإيقاع؛ لأنه سرعان ما ينقضي الشطر، ثم ينقضي البيت.

ومجزوء الخفيف أو "فاعلاتن مستفعلن" هو مقلوب المجتث: "مستفعلن فاعلاتن"، نحو قول ابن التعاويذي:

بمن أباحك قتلي * علام حرَّمت وصلي؟

أنفقتُ فيك دموعي * والدمع جهدُ المقل

كيف السلو وقلبي * رهن لديك وعقلي

وفيه ليونة لا تجدها في مجزوء الخفيف، ومأتى ذلك من تأخر "فاعلاتن" في المجتث، وفيها التنويع بين سبب فوتد فسبب، والمتأخر في مجزوء الخفيف هو "مستفعلن"، فهو صلب من أجل تتابع سببين في هذا، أو وتدين إذا تحول إلى "متفعلن" (ولا مَدخل هنا لكتابته: مستفع لن؛ فإنما ذلك لمنع دخول الطي)، فأنت تشعر في المجتث بالتتابع الآتي من التعادل في تفعيلة الختام (والأعمال بالخواتيم)، وتشعر في مجزوء الخفيف بالتقلقل الآتي من الثماثل في تفعيلة الختام، فالحركة في المجتث مسترسلة، وفي مجزوء الخفيف كالذهاب والرجوع. وهي في قصيدتنا مناسبة للحركة المعنوية بين خوف ورجاء، وسجود وقيام، ودعاء وإجابة.

* * *

أصحاب الليل

لابن الرومي

تتجافى جنوبهم

عن وطيء المضاجعِ

كلهم بين خائف

مستجير وطامع

تركوا لذة الكرى

للعيون الهواجع

ورعَوْا أنجم الدجى

طالعًا بعد طالع

لو تراهم إذا همُ

خطروا بالأصابع

وإذا هم تأوَّهوا

عند مر القوارع

وإذا باشروا الثرى

بالخدود الضوارع

واستهلت عيونهم

فائضات المدامع

ودَعَوْا: يا مليكَنا

يا جميلَ الصنائع

اعفُ عنا ذنوبَنا

للوجوه الخواشع

اعف عنا ذنوبنا

للعيون الدوامع

أنت - إن لم يكن لنا

شافع - خير شافع

فأجيبوا إجابة

لم تقع في المسامع:

ليس ما تصنعونه

أوليائي بضائع

تاجروني بطاعتي

تربحوا في البضائع

وابذلوا لي نفوسكم

إنها في ودائعي

ـ[محمد خليل الزروق]ــــــــ[20 Aug 2010, 04:01 ص]ـ

هذه القصيدة رثى فيها الشاعر الجزائري محمد العيد آل خليفة فتاة انتحرت بالتردي من شاهق، بوادي قسنطينة المسمى (وادي الرمال).

وعلى أن الشاعر لا تربطه صلة بالفتاة فقد رثاها بحرقة وأسف، وأذرى دموعه على مصرعها منتحرة بهذا السبب، في هذا العمر.

وعلى أن القصيدة طويلة جاوزت خمسين بيتًا فلم تخبُ فيها جذوة الحرارة، ولم يفتر فيها علو الانفعال، وبقيت إلى آخرها متقدة مندفعة، وجرت إلى غايتها بلا تكلف، ووصلت إلى نهايتها بلا إسفاف في اللغة، أو ضعف في التعبير، بل إنه فوق ذلك أبدى فيها من براعة النظم، ومن سياسة اللفظ، ما دل على مدد لغوي، ومعدن بلاغي، فيه وفرة وغنى.

وعلى أنه نحا في أجزاء منها - خاصة آخرها - منحى الموعظة، فلم يهبط من سماء الشعر إلى أرض النثر، ولا خرج من جو القصائد إلى ميدان الخطب.

وعلى أنه لام المنتحرة وعنفها على ما فعلت فقد سرَت في جنبات القصيدة نغمة من الرحمة والشفقة والتماس المعاذير، حتى إنه ما ترك وجهًا من العذر إلا ذكره، وهو يقول: لعل ولعل ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير