مراحلها، وله في كل ناحية من نواحيها، وفي كل طور من أطوارها، وفي كل أثر من آثارها - القصائد الغر، والمقاطيع الخالدة .. ".
وكفى بهذه شهادة من عارف بصير بالشاعر، ناقد خبير بالأدب، لا يلقي الكلام إلا أن يزنه بميزان، ولا يرسل الحكم إلا بعد درس وامتحان!
* * *
دمعة منهمرة على فتاة منتحرة
محمد العيد آل خليفة
أذْرَتْ عليكِ دموعَها الأنداءُ
يا زهرة عصفت بها النكباء
ماذا دهاك من الحياة فعِفْتِها
وعَرَتْك فيها نظرة سوداء؟
ألقيت نفسك من شفير شاهق
يخشى الوقوفَ بجنبه الْجُرَآء
ما هابه الليثُ الهصور من الردى
قَدَرَتْ عليه الظبية الهيفاء
صدمتك من وادي الرمال صخورُه
وطواك منه لدى الْهُوِيّ هواء
وسقطت صرعى لم يُقِلَّك في الثرى
فَرْشٌ ولم يُسدَل عليك غطاء
وقضيت لا قربى تحوط ولا يد
تأسو ولا عطف ولا إدناء
فبكتك في (سرتا) ظباء كِناسها
وشُبولها وغياضها الغنَّاء
وتسارَرَتْ فيها بِنَعْيِك وُرْقُها
ورقاء تهدل إثرها ورقاء
أسفي عليك ذوى شبابك فجأة
قبل الجنى، وجنى عليك جفاء
ضاقت بك الدنيا بما رحبت، فما
وسعتك أرض أو وَقَتْك سماء
وأجَلْتِ طرفك في الوجوه جميعها
فإذا الضياء أمامه ظلماء
وسَخَوْتِ بالدنيا وزهرتها لمن
في البؤس عز بها عليه سخاء
الموت جاءك خاطبًا فرضيته
زوجًا، وباء بصدك الخطباء
فزُفِفْت في عرسٍ لزوجك صاخبٍ
لكنْ خضابُك - يا عروس - دماء
أما صداقك - يا عروس - فلوعةٌ
حرَّى تذوب بنارها الأحشاء
وفجيعة بك - يا عروس - وجيعةٌ
نُكبت بها الأهلون والقرباء
لا أستبيح لك التردي، إنه
رغم اضطرارك زلة نكراء
لا أستطيب لك الردى ولوَ انه
لك من جميع النائبات وِقاء
في كل كارثة لكل مُوَحِّدٍ
أمل له في كشفها ورجاء
من كان مرتكِز اليقين فعسره
يسرٌ عليه، وبؤسه نعماء
ماذا جنت أمٌّ حَبَتْك حنانَها
وأبٌ عليك له يدٌ بيضاء
مستهما الضراء منك أليمةً
ودَهَتْهما من بؤسك البأساء
فكلاهما آسٍ عليك وآسفٌ
قد برَّحت بحشاهما البُرَحاء
أخطأت رأيًا في انتحارك، إنه
ذنب يشين، وفكرة حمقاء
ليس انتحارك كان رزءًا واحدًا
في وقعه، بل إنه أرزاء
ما كان حلُّ المشكلات بحادث
للنفس فيه على الشقاء شقاء
إني وقفت عليك وِقفة شاعر
أرثيك إن أجدى عليك رثاء
متحسِّرًا ومن التحسر نُدْبة
ومعاتبًا ومن العتاب بكاء
عرَّضتِ عرضك للظنون وعسفها
إن الظنون مطيَّة عمياء
أزرى بعرضك ما يقال توهمًا
ولعله مما يقال براء
وأصاب نفسك ما يجل مصابه
ولعل نفسك للنفوس فداء
ولعل رُزْأك نوبة نفسية
أو عثرة في السير أو إغماء
أو لفحة بك من ذكائك أحرقت
منك الحجا ومن الذكاء ذُكاء
قد حَفَّت الأيدي بنعشك فاعتلى
كالفلك تزخر تحته الدأماء
ما شيعتك جنازة بل أمة
نُشرت فلم يستوفها إحصاء
ذابت قلوب جميعهم لك رحمة
ورِضى الرحيم يناله الرحماء
هل فوق نعشك جثة أو توأم
لبنات نعش أو هي الجوزاء
أم فلذة من قلب أروع ضاحك
للنائبات جبينه وضَّاء
لا تيأسي من رَوْح ربِّك، إنه
ماحي الكبائر محسن معطاء
أضفى عليك الله حُلَّة عفوه
وسَقَتْك من رَحَماته أنواء
وإذا ابتلى الله العباد فجهدهم
صبر له وتضرع ودعاء
* * *
قل للشباب المستبد برأيه
المستفزِّة وجدَه الأهواء
من يتعظ بسواه في أخطائه
تلهمْه وجهَ صوابِه الأخطاء
إن انتحار اليائسين جناية
عظمى يبوء بخزيها الجبناء
دنياكَ معركة يفوز بكسبها
رأي أسدُّ وهمة قعساء
والأرض سوق بالنقائص أفعمت
دأب الورى بيع بها وشراء
الفوز والإخفاق بعض عُروضها
يعطي ويأخذ منهما الأحياء
من فاته فيها الرجاء فمفلس
لا يُرتجى أبدًا له إثراء
والخلق صيد النائبات فكلهم
غرض لها في الصيد وهي رِماء
من ينج من بلوى يقعْ في مثلها
فمن البلاوي لا يتاح نجاء
والله يحكم ثم يُمضي حكمه
في الكائنات كما يرى ويشاء
سبحانه خفيت حقائق علمه
عنا فلم تستجلها الآراء
ما فاز إلا مؤمن متوكل
متجمل مهما عراه بلاء
فله بأسباب الإله تمسك
وله بأحكام الإله رِضاء
ـ[محمد خليل الزروق]ــــــــ[28 Aug 2010, 04:58 م]ـ
هل لك في أن تتأمل معي في هذا الأدب الرفيع، وهذا الشعر الرائق الراقي، وهذا التعبير البليغ عن آلام الفقد، ووقع المصيبة، بشاعرية أصيلة، قلَّ نظيرها في هذه الأيام؟
¥