وأما التمريغ فقد تحدث مثل هذه الأمور مع عدم مشروعيتها ويحكمها الظرف الذي حدثت فيه، وهذا له أمثلة كثيرة في حياة الصحابة رضي الله عنهم.
خذ كمثال موقف الصحابة والفاروق على وجه الخصوص عند بلوغه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إنها أحداث الحكم عليها يجب أن لا يكون بمعزل عن الظرف الذي وقعت فيه.
هذه مدارسة ووجهة نظر وربما اختلفت وجهات النظر ولكن الحب والمودة هي العلاقة المشتركة.
نعم بالحب والمودة وليكن ذلك شعارنا دوماً أخي الحبيب:
أولاً أخي الفاضل. اعطني دليل واحد على أن قصة بلال صحيحة وليست موضوعة.
وثانياً فإن قصة بحيرا قال كثير من أهل العلم أنها صحيحة ولم يجمعوا على ضعفها أو وضعها. فكيف تقول أنهم حكموا على أسانيدها بالوضع؟؟ ولماذا لم تقل ذلك عن قصة بلال؟؟؟
وكيف تقول أن قصة بلال تاريخية وقد ذكرها أهل السند وحكموا عليها بالوضع؟؟ ثم كيف تبرر الفعل الحرام في التمرغ بالقبور ولم يجز ذلك أحد من أهل العلم وتنسبه أيضاً الى بلال رضي الله عنه مع أن أهل العلم ذبّوا عنه هذا الحديث لأجل ذلك؟؟
قال الألباني رداً على تلك القصة المزعومة:
فهذه الرواية باطلة موضوعة ولوائح الوضع عليها ظاهرة من وجوه عديدة أهمها:
- قوله: (فأتى قبر النبي صلى الله عليه و سلم فجعل يبكي عنده) فإنه يصور لنا أن قبره صلى الله عليه و سلم كان ظاهرا كسائر القبور التي في المقابر يمكن لكل أحد أن يأتيه وهذا باطل بداهة عند كل من يعرف تاريخ دفن النبي صلى الله عليه و سلم في حجرة عائشة رضي الله عنها وبيتها الذي لا يجوز لأحد أن يدخله إلا بإذن منها كذلك كان الأمر في عهد عمر رضي الله عنه فقد ثبت أنه لما طعن رضي الله عنه أمر ابنه عبد الله أن يذهب إلى عائشة ويقول لها: إن عمر يقول لك إن كان لا يضرك ولا يضيق عليك فإني أحب أن أدفن مع صاحبي. فقالت: إن ذلك لا يضرني ولا يضيق علي. قال: فادفنوني معهما. أخرجه الحاكم (3/ 93)
ثم أخرج (4/ 7) بإسناده الصحيح عنها قالت: (كنت أدخل البيت الذي دفن معهما والله ما دخلت إلا وأنا مشدود علي ثيابي حياء من عمر رضي الله عنه)
ولقد استمر القبر الشريف في بيت عائشة إلى ما بعد وفاتها بل إلى آخر قرن ثم الصحابة رضي الله عنهم ثم أدخلوا البيت وضموه إلى المسجد لتوسعته فصار بذلك في المسجد على النحو المشاهد اليوم فيظن من لا علم عنده بحقيقة الأمر أن النبي صلى الله عليه و سلم لما مات دفنه الصحابة في المسجد - وحاشاهم من ذلك - وإنما دفنوه في البيت ثم حدث بعد ذلك ما ذكرنا خلافا لما يظنه كثير من الجهال ومنهم واضع هذه القصة الذي أعطى صورة للقبر مخالفة للواقع يومئذ وللصحابة رضي الله عنهم كما شرحه شيخ الإسلام وغيره من المحققين وذكرت طرفا منه في كتابي (تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد) فليراجعه من شاء
أما قوله: (ويمرغ وجهه عليه). قلت: وهذا دليل آخر على وضع هذه القصة وجهل واضعها فإنه يصور لنا بلالا رضي الله عنه من أولئك الجهلة الذين لا يقفون عند حدود الشرع إذا رأوا القبور فيفعلون عندها ما لا يجوز من الشركيات والوثنيات كتلمس القبر والتمسح به وتقبيله وغير ذلك مما هو مذكور في محله وإن كان يجيز ذلك بعض المتفقهة الذين لا علم عندهم بالكتاب والسنة ينير بصائرهم وقلوبهم ممن يسايرون العامة على أهوائهم ويبررون لهم كثيرا من ضلالاتهم قوله: (خرج العواتق من خدورهن. . .) الخ كلام شعري خيالي ظاهر الوضع وإلا فما علاقة خروجهن بسماعهن الشهادة الأخرى وقولهن (أبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم) من أجل ذلك جزم الحافظ ابن حجر بأن هذه القصة موضوعة
أما قول البوطي: (رواه ابن عساكر بإسناد جيد)
فأقول: فيه مؤاخذتان:
الأولى: أن هذا التجويد ليس من علم الدكتور واجتهاده لأنه لا علم عنده مطلقا يؤهله لإصدار مثل هذا الحكم كما عرف القراء من المقالات السابقة وإن كان هذا الحكم خطأ في ذاته كما يأتي فكان من الواجب عليه أن يعزوه إلى من نقله عنه لكي لا يتشبع بما ليس له لقوله صلى الله عليه و سلم (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) متفق عليه الثانية: أن القول المذكور إنما هو للشيخ السبكي الشافعي قاله في كتابه (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) وقد رده الحافظ المحقق محمد بن عبد الهادي الحنبلي في كتابه العظيم: (الصارم المنكي في الرد على السبكي) (ص 210 - 215) وأطال النفس فيه بما حاصله أن إسناده لا يصلح الاعتماد عليه ولا يرجع عند التنازع إليه عند أحد من أئمة هذا الشأن. وسأبين علته قريبا إن شاء الله تعالى فهل الدكتور على علم بهذا ومع ذلك آثر عليه قول السبكي لا لشيء إلا لأنه شافعي المذهب مثله أم أنه لم يعلم به مطلقا؟ الأمر كما قيل:
فإن كنت لا تدري
الثالثة: أن إسناد القصة أبعد ما يكون عن الجودة فإنه عند ابن عساكر كما سبق - من رواية إبراهيم بن محمد بن سليمان عن أبيه سليمان بن بلال وهذا إسناد مظلم فيه مجهولان.
¥