أقول: نعم هذا صحيح، ولكن هذا الضابط لم يذكره إلاَّ المتأخرون من أساتذة النحو، لتقريب الفهم للمبتدئين للوصول إلى الحال، إلاَّ أنه لا بدَّ من التمييز وملاحظة المعنى العام للجملة، وسأذكر لك أمثلةً يُسأل عنها بكلمة " كيف " ومع ذلك لا تُعرب الكلمة "حالاً "، وسأجتهد أن تكون الأمثلة من كتب أئمَّة النحو للرجوع إليها.
إذا قلتُ: " سِرتُ أحسنَ السيرِ "، أليس هذا جوابًا عن سؤال " كيف سرتَ؟ "
وإن قلتُ: " قَعدَ القُرفصاءَ "، أليس هذا جوابًا لمن سأل: " كيف قعدَ؟ "
وإذا قلتُ: " رَجَعَ القهقرَى " أليس هذا جوابًا لسؤال " كيف رَجَعَ؟ "
إذا تبيَّنت لك جواب هذه الأسئلة، فاعلم أن هذه الكلمات تعرب نائبًا عن المصدر، وليست حالاً، وكلها وردت في كتاب " أوضح المسالك " لابن هشام – رحمه الله -.
وأخيرًا إذا سُئلتَ " كيف كان زيدٌ " فالجواب: " كان مجتهدًا "، ومع ذلك فكلمة " مجتهدًا " خبر كان، وليست حالاً.
إذن، تبيَّن جليًّا أنَّ الضابط الصحيح لمعرفة الحال، هو ملاحظة الحدِّ الذي وضعه أئمة النحو لتعريف الحال، حيث وضعوا تعريفًا لكل أنواع الإعراب المختلفة، نحو: تعريف المبتدأ والخبر، والفاعل، والمفعول المطلق، والمفعول لأجله والتمييز، وهكذا، فلا بد من الإلمام الجيِّد بأساسيات علم النحو.
سُئل العلامة ابن عثيمين – رحمه الله -: هل يصلح أن يكون السؤال بكيف لضبط الحال "، فأجاب – رحمه الله -: أنَّ السؤال بـ" كيف" غير منضبط، إذ لو قلتَ: جاء زيدٌ والشمسُ طالعةٌ "، والشمس طالعةٌ: جملة حالية، ومع ذلك لا تصلح أن تكون جوابًا لسؤال " كيف جاء زيد؟ " فالضابط الصحيح هو قول ابن مالك: " مُفهمُ في حالِ " فهذا يشمل كل أنواع الحال، انتهى كلامه.
ثانياً، قلتَ: يقول ابن مالك:
ويكثر الجمود في فعل وفي مبدي تأول بلا تكلف
كبعه مداً بكذا يدا بيد وكر زيد أسدا أي كأسد
فالله أعلم أننا نقول: إنها (نحو) اسم جامد وقع حالا , لأنه مؤول بمشتق تقدره ().
أقول: البيت ليس: " ويكثر الجمود في فعلٍ "، بل: " ويكثر الجمود في سِعرٍ "، أليس كذلك؟.
ثم َّ استدلالك بالبيت السابق لإثبات أن كلمة " نحو " اسم جامد وقع حالاً فيه نظر، إذ جاء في شرح ابن عقيل وابن هشام عند شرح هذا البيت:
أن الحال تقع جامدة غير مؤولة بالمشتق في سبع مسائل، وهي:
- أن تدلّ على سعر، نحو " بِعتُهُ مُدًّا بكذا ".
- أن تكون موصوفة، نحو قوله تعالى ((قرءانًا عربيًّا))، وقوله – عزَّ في علاه - ((فَتمثَّلَ لها بشرًا سويًّا))، وتُسمَّى حالاً موطئة.
- أو دالَّة على عدد، نحو ((فتمَّ مِيقاتُ ربهِ أربعينَ ليلةً)).
- أو طور واقع فيه تفضيل، نحو " هذا بسرًا أطيب منه رطبًا ".
- أو تكون نوعًا لصاحبها، نحو " هذا مالُك ذهبًا ".
- أو فرعًا له، نحو قوله تعالى في سورة الأعراف ((وتَنحِتُونَ الجِبالَ بيوتًا))، " هذا حديدك خاتمًا ".
- أو أصلاً له، نحو قوله تعالى في سورة الإسراء ((قالَ ءَأسجدُ لِمن خلقتَ طينًا))، " هذا خاتمك حديدًا ".
فأين تقع كلمة " نحو " على ضوء هذا التفصيل؟!!!.
ثمَّ استطردت قائلاً: " فهذه كقولك (جاء الأمير وحده) فوحده وقعت حالا مع أنها جامدة , والجامد لا يكون حالا , فنقول مؤولة بمشتق."
أخي الفاضل: يُذكر هذا المثال عند الكلام عن الحال حين يكون معرفة ويُؤول بنكرة، كما قال ابن مالك:
والحالُ إن عُرِّفَ لفظًا فاعتقِدْ & تَنكيرَه معنًى، كوَحدَك اجتَهِدْ
فتبيَّن – أخي الفاضل – أن الأدلَّة التي ذكرتها لا تقوم بها الحجَّة لإعراب كلمة " نحو " حالاً.
فإن قلتَ: أفلا نجعلها مثل: " جاء الأميرُ وحدَهُ "، وتكون حالاً.
قلتُ، شتان بين المثالين، وذلك من وجهين:
الأول: أنَّ كلمة " وحده " مضافة إلى ضمير عائد إلى الفاعل، بينما كلمة " نحو " أضيفت إلى المصدر، قال تعالى في سورة النساء ((فلا تميلوا كلَّ الميلِِ))، فكلمة " كلَّ " تُعرب نائبًا عن المصدر.
الثاني: أنَّ كلمة " وحدَهُ " تبيِّن هيئة الفاعل، لهذا كانت حالاً، بينما كلمة " نحو " لا تبيِّن هيئة الفاعل، ولا تبيِّن هيئة المفعول به، لكون الفعل " توضَّأ " لازمًا، ويتعدَّى بالباء، فتقول: توضَّأتُ بالماءِ، فكيف تجزم أنَّ كلمة " نحو " حال؟؟؟
فإن قلتَ: المعنى يُوحي أنها حال.
قلتُ: لا، يا أخي الفاضل، المعنى بعيد كل البعد عن ذلك، لماذا؟
لأن كلمة " نحو " تبيِّن صفة الوضوء، وقد ترجم الإمام البخاري لهذا الحديث في " باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا "، وقد صرَّح ببيان الصفة أبو داود في سننه، حيث ساق هذا الحديث في باب صفة وضوء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم , فالمعنى بيان صفة الوضوء، وهذا ينطبق تمامًا على نائب المصدر، فهو يأتي بيانَا للصفة، إذ تقول: " سِرتُ أحسنَ السيرِ ".
فتبيَّن أنَّ ما ذكره الأستاذان الفاضلان هو الأقرب إلى الصواب.
بقيَ أن أقول هناك إعراب آخر لهذه الكلمة , ذكره العلاَّمة بدر الدين العيني في كتاب " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " فقال: نحو: صفة لمصدر محذوف تقديره: مَن توضَّأ وضوءًا نحو وضوئي.
ويؤيَّد هذا الإعراب ما ذكره العلامة أبو شامة المقدسيُّ حين أعرب كلمة " مثل " الواردة في منظومة الإمام الشاطبيِّ في القراءات، حيث قال:
ومثلَهُ يقول هشامٌ ما تطرَّفَ مُسْهِلا
مثلَه: نعت مصدر محذوف، أي يقول هشامٌ قولاً مثلَ قولِ حمزة.
أسأل الله لك مزيدًا من التوفيق، راجيًا أن تتضِّح لديك الصورة، وأعتذر جدًّا على الإطالة، كما أتقدَّم بالاعتذار لأستاذيَّ الكريمين على تطفُّلي في هذا الموضوع.
وللجميع خالص تحياتي وتقديري
حازم
¥