4 ـ أحسنتَ ولا فقدناك، وقد رأيتُ من قبلُ هذه المسألةَ التي ذكرتَ، فأحدثتْ لديّ إشكالاً، لأنها تخالف مبادئ (المبتدأ والخبر) من حيث إن المبتدأ ينبغي له أن يكون ذاتاً يصدق عليها الوصف، لا وصفاً، ولستُ أريد بالجامد ما فهمتَ من أنه الذي هو ضدّ المشتق، إنما أريد به الذات الثابتة، فإذا قلتَ: (أفضل منك أفضل مني) فإن (أفضل) ليس بذاتٍ يُخبر عنها بخبر، ولو أنك جئتَ بمشتق وجعلتَه مبتدأ لما كان من ضَير مثل: (الكريم حاضر) و (الطالب مجد) فهذا يدلّ على جواز كون المبتدأ والخبر مشتقين إن معرفتين أو مختلفتين، ولكن الإشكال في النكرة، فإذا قلتَ: طالب حاضر، فلا بأس إن عُلم القصد، لأن الطالبَ ذات يخبر عنها وإن كان مشتقاً، ولكن (أفضل) ليس بذاتٍ يخبر عنها مع كونه مشتقاً، فكيف إذاً أوجّهُ قولَ النحاة حيث أجازوها؟!
الذي أقول به وأظنه ـ والله أعلم الصواب ـ أن هذه الجملة وردت هكذا عن العرب، وهم يستحبون الإيجاز، ويعمدون إلى الحذف والإقلال كثيراً، وهو كذلك في القرآن الكريم، فيكون تأويل هذه الجملة (الذي أفضل منك أفضل مني) ولا يصحّ أن نجريَ هذا الحكم على كل شيء فنحذف ثم نتأول له شيئاً، من قِبَل أن هذه الجملة سقطت إلينا من العرب وهم يعرفون معناها ساعةَ يسمعونها، فانبغى التأويل حتى لا نبطل قولهم ولا نفسد قواعدنا!
أما (أنظف ثوباً أجمل منظراً) فتُردّ إلى الأصل الذي أكثرتُ ذكره، وهو نافع جداً أنه لو أن هذه الكلمة شائعة بين الناس، يُفهم معناها كما يُفهم معنى (أفضل منك أفضل مني) وهما في الحكم سواء، لو كان كذلك لجاز النطق بها، ولكن متى ما كانت مفهومة كانت صحيحة سائغة، كما أن قوله ـ تعالى ـ: ((فصبر جميل)) محذوف المبتدأ، فهل لو كانت هذه الجملة في سياق آخر تكون كما هي الآن، فلو قلت: (يا أبا أيمن: صبر جميل) ألا ترى أنك ربما تفهم معناها أني آمرك بالصبر لأن هذه الجملة مشهورة فاشية بين الناس لذكرها في القرآن، ولكنها ليست كما هي في سياق القرآن، وهل هي مثل قولي لك: (يا أبا أيمن: شعر فصيح) أليس (شعر فصيح) مثل (صبر جميل) ولكن الشهرة تؤثر في الكلام وتذهب به إلى الصحة أو الفساد، فقولي: (شعر فصيح) لا يمكن أن تفهمه إلا بالحال وليست كـ (صبر جميل) حيث تفهم بدون حال، كما لو أني أتصفح وإياك كتاباً فرأينا شعراً فصيحاً ونحن نحبه فقلت لك: (شعر فصيح) إذ تقديره: هذا، وغير ذلك فلا تفهم هذه الكلمة إلا بالشهرة والتعالَم!!
وأيّاً ما يكن فإنك ظننتَ بي خيراً، وأردتَ محاورتي على جهلي فأجبتك بما أعلم واجتهدتُ كثيراً متكئاً على أصول معروفة، فلا تلمني ـ متعك الله ـ إن زللتُ أو تجرأتُ على ما لستُ أهلاً له!
5 ـ لم أفهم أين المبتدأ والخبر في قولك: (جبار متكبر) ونحوه!!
وعلى كلٍّ فهي تدخل فيما ذكرتُه في شأن (أنظف ثوباً أجمل منظراً) وإلى أصولها تُردّ.
ونعم .. لكن إلف الحسّ في النحو لا اعتداد به، فلو أن قوماً ـ مثلنا ـ ألفوا اللحن فطفقوا يرفعون المنصوب وينصبون المخفوض فهل يُعفى عنهم بحجة إلف الحس؟!!
أما فهم المخاطب فهو أصل أصيل ذو اعتداد وهو كثير جداً في النحو والبلاغة، وجاء منه في القرآن كثير، وإن شئتَ أوردتُ لك أمثلة عليه!
وأشكر لك رحابة صدرك، وحسن خلقك، وجميل تواضعك، وما زلت أتعجب بحقّ من طيبتك وأريحيتك!
وأعتذر إليك على كل ما قد تخاله كبراً أو غروراً أو ضجراً أو سوء أدب، فقد تخال ما لم أفعل!
محبك:
الحجة
ـ[حازم]ــــــــ[30 - 07 - 2004, 09:09 م]ـ
أستاذيَّ الكريمين
بكلِّ خجلِ واستحياءٍ أقطع عليكما حديث مجلسكما الرائع لأبديَ كامل إعجابي وسعادتي بهذه المناقشة الزاخرة بألوانها المختلفة من الفوائد.
وبداية أودُّ أن أرحِّبَ بالأستاذ الحجَّة، ولا أراك إلاَّ اسمًا على مسمًّى، فأهلاً ومرحبًا بك في منتداك المشرق بك وبغزارة علمك.
وأعترف أنِّي لا أستطيع أن أجاري أسلوبك الأدبي البديع، لكن أودُّ أن أسطِّر بعض كلمات التقدير والسرور بكما وبهذه الصفحة التي احتوت على فوائدَ جمَّة وأدبٍ رفيع، يُزيِّنُ ذلك كلَّه التواضع وحُسن الخُلق، فأنعم وأكرم بكما.
تلميذكما
حازم
ـ[أبو قصي]ــــــــ[01 - 08 - 2004, 05:09 م]ـ
¥