قلتُ: اقتران جواب الشرط بالفاء، يدلُّ على أنَّ الفعل لا يصلح أن يكون جوابًا، فوقعت الفاء الرابطة في جواب الشرط، وأصبحت الجملة " فلا تشهدْ " في محل جزم جواب الشرط.
وقوله: " لأنَّ المضارع مجزوم على الحالين "
أقول: هذا لأنَّ الأداتين للجزم، فما قوله لو اختلفت الأولى وكانت غير جازمة، هل سيتنازعان على الإعمال، فلنتأمّل قول الشاعر:
لو لم يكنْ غَطفان لا ذُنوبَ لها & إذًا لَلامَ ذَوو أحسابِِها عُمَرَا
الفعل " يكنْ " مجزوم بـ" لم "، بالرغم من وقوعه فعلاً للشرط، ولكنَّ أداة الشرط هنا غير جازمة " لو "، فلو كان العامل الأول له تأثير – كما يزعمون -، فلماذا لم يأتِ الفعل مرفوعًا؟؟.
قال الله عزَّ في عُلاه: ((فَمنْ يُؤمِن بِربِّهِ فلا يخافُ بَخْسًا ولا رَهَقًا)) الجنّ 13.
" مَنْ " اسم شرطٍ جازم، والفعل " يخافُ " واقع في جواب الشرط، وهو مرفوع لأنه مسبوقٌ بـ " لا " النافية، فلماذا لم يَشفَعْ له وقوعه جوابًا للشرط فيكون مجزومًا؟
وهكذا – أستاذي – تَرى أن مَن اجتهد برأيه، قد يصيب وقد يخطئ.
هذا وأريد هنا أن أشكر الأستاذ المتألَّق / أبا أيمن، للتعليلات الرائعة التي ساقها من أقوال أهل العلم في كتب التفاسير، حول إثبات أن الفعل المضارع مجزومٌ بـ " لم "، وليس بـ " إن "، في قوله تعالى ((فإن لم تفعلوا))، وهو الصواب، إن شاء الله تعالى.
أستاذيَّ الكريمين / النحوي الكبير، وأبا أيمن:
ما أسعدني بعلوِّ كَعْبكما في أصول علم النحو، ولستُ – والله – جديرًا بالإجابة عن سؤالكما حول إمكانية أن تكون " ما "، في قوله: " ما لم يُتوَّجْ " حالاً، ويكون التقدير – كما وضَّحه الأستاذ / أبو أيمن: " ولا تحسبن العلم ينفع وحده& حال عدم تتويج ربه بخلاق "
فلذلك إذا وجدتُّما بحثًا حول هذا الموضوع يخالف ما سأذكره، فالأولى الرجوع إليه وارميا برأيي عرض الحائط.
أقول: لا أرى – والله أعلم – إمكانية وقوعها حالاً، من وجهين:
الأول: أنَّ المقصود من مثل هذا التركيب، هو تضمنُّه معنى الشرط، لذلك كانت " ما " إما شرطية، أو مصدرية ظرفية، ومعلوم أنَّ " ما " المصدرية الظرفية شبيهة بالشرط، بينما إذا اعتبرناها " مصدرية " واقعة حالاً، فقد فاتنا معنى الشرط، وأصبحت الجملة خبرية.
الثاني: أنَّ المعنى - والله أعلم - يختلُّ بوقوعها حالاً، فإن قلتُما: كيف هذا "؟
قلتُ: سأضرب مثالين لتوضيح هذا التعليل، وأرجو أن لا يكون عليلاً.
إذا قلنا: " أقبل زيدٌ مبتسمًا "، فكلمة " مبتسمًا " حال من فاعل " أقبل "، ألا وهو " زيد "، والجملة تفيد أنَّ حال زيد الابتسامة حين أقبل، ولكن لا يعني أنه مبتسم دائمًا، فقد يكون حاله مختلفًا بعد إقباله.
فالحال هي بيان لهيئة الفاعل أو المفعول به حين وقوع الفعل فقط.
ولنتأمَّل قول ابن مالكٍ: " ولا يجوزُ الابتداء بالنكره، ما لم تُفدْ "
فلو كانت " ما " حالاً، كان معنى الجملة: لا يجوز الابتداء بالنكرة حال كونها لم تُفد، وهذا يعني أنَّ النكرةَ قد تفيدُ في وقتٍ آخر، دون أيِّ تغيير، وهذا غير صحيح، فالنكرة إما أن تكون ذات فائدة فيُبتدأُ بها، وإما لا تفيد، فلا يجوز الابتداءُ بها، لذلك ذهب الأستاذ / محمد محي الدين – رحمه الله – في" شرح ابن عقيل " للقول بأنها مصدرية ظرفية، لتعطي معنى الشرط. والله أعلم.
وقول – أستاذي الفاضل – " النحوي الكبير ": (ألا يمكن إعراب " ما " نافية لا عمل لها؟)
أقول: لا أرى ذلك – والله أعلم -، لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى اجتماع أداتين للنفي على فعلٍ واحد، ولا يصحُّ ذلك، إذ أنهم يقولون: نفيُ النفيِ إثبات، والله أعلم.
أخيرًا، بقي النظر في استفسار أستاذي النحوي:
(أليست المصدرية الظرفية أن يكون ما بعدها دالا على الزمان، نحو: " سأدافع عن ديني ما دمتُ حيًّا ")
قلتُ: أسأل الله الكريم، بفضله وكرمه، أن يرزقني وإيَّاكم ذلك، وأن يرزقنا الإخلاص.
نعم – أستاذي الكريم -، لا بدَّ أن يكون ما بعدها دالاًّ على الزمان، وليس بالضرورة، أن يكون واضحًا.
فـ " ما " المصدرية الظرفية هي إذا كانت بمعنى مُدَّة، ويقولون: يغلب وقوعها قبل " لم "، نحو قوله تعالى في سورة البقرة: ((ما لم تَمسُّوهُنَّ))، والزمان معها محذوف تقديره: " في زمن ترك مسِّهن ".
وقيل يغلب وقوعها قبل: عشتُ ودمت وحييت وبقيت واستطعت وخلا وعدا وحاشا، نحو قوله تعالى: ((وكنت عليهم شهيدًا ما دمتُ فيهم)) المائدة.
وقال تعالى في سورة هود: ((إن أريدُ إلا الإصلاحَ ما استطعتُ))، فكلمة " ما " مصدرية ظرفية، قاله ابنُ هشامٍ – رحمه الله -، في " مغني اللبيب "، وذكر أيضًا:
أجارتنا إنَّ الخطوبَ تنوبُ & وإني مقيمٌ ما أقامَ عَسيبُ
فكلمة " ما " مصدرية ظرفية.
واعذرني – أستاذي الكريم – فلم أجد لها تعريفًا شاملاً أكثر مما ذكرتُ، لذلك تتبَّعتُ الأمثلة والشواهد المتعلِّقة بها، والله اعلم.
ختامًا، أعتذر للإطالة والقصور
مع خالص تحياتي للجميع
¥