تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قولك: " إنَّ الرابط هو وضوح السياق "، لم يُعطِ فائدة، فوضوح سياق المعاني ينسحب على كامل أبيات القصيدة، ولكن المقصود بالرابط هو ما يربط جملة بجملة أو بكلمة، ومن خلال هذا الربط يتعيَّن إعراب محدَّد يعطي معنًى لكلِّ تركيب من الكلام، ولذلك تجد أنَّ الإعراب ينتهي بنهاية الفائدة في الكلام، ولا تزال المعاني متَّصلة ـ لترسم في النهاية اللوحة التي أرادها الشاعر.

فيبقى سؤالي قائمًا: ما هي فائدة معنى الشطر الثاني بصدر البيت؟

وأمّا اضطرابك في تحديد جملة " وهم يدفنونني "، فقد بدا واضحًا.

إذ أنَّ قولك: هي: جملة استئنافية أو ابتدائية " كلام فيه نظر.

فهما كلمتان بمعنًى واحد، الابتدائية: ما ابتدأت به الكلام، والاستئنافية مثلها إلاَّ أنها بعد حشو، وإن شئت فقل: بعد ابتداء الكلام.

فأين الجديد في الزيادة؟؟

وقولك: " هي جملة اعتراضية " فيه نظر أيضًا.

فالجملة الاعتراضية هي: ما اعترضت بين لازمين، لم ينته الكلام على أولهما، مثل المبتدأ وخبره، أو الفعل وفاعله.

ومعلوم: أنَّ جملة " لا تبعدْ " جملة تامَّة المعنى، فأين الاعتراض فيها؟؟

وأما إشارتك إلى وجود معنى الاستغراب والتعجب الحاصل في السؤال (وأين مكانُ البعد إلا مكانيا)

أقول: لا أرَى أنَّ سؤال مالكِ بقوله: " وأين مكانُ البعد إلا مكانيا " يفيد الاستغراب والتعجب.

بل هو سؤال إنكاريٌّ عليهم، وإن شئتَ فقل: إنشاءٌ بمعنى الخبر والتقرير، فهو يقرَّر أنَّ مكان البعد هو مكانه، وصدق – رحمه الله -، فالقبر مكانٌ لا يصل إليه الأحياء، نسأل الله أن يجعل قبورنا جميعًا روضةً من رياض الجنة.

ولا تزال هناك نقاط تحتاج إلى إيضاح، صرفتُ النظر عنها الآن، بينما تعيد أنتَ النظر في رؤية معاني البيت مرة أخرى، فإن لم تلحظ شيئًا جديدًا، فأرجو أن تتأمَّل حروف الكلمات، علَّها تعطيك انطباعًا آخر.

وأخشى أن تكون هناك عداوة قديمة مع " الحال "، فتنصرف بآمالك عنه.

ختامًا، أستاذي العزيز: لن تُجرَّ – إن شاء الله -، لا ببردك ولا بأي شيءٍ آخر نحو " الحال "، ولكن أرجو أن تتَّسع لنا الطرق في رحلتنا لنصل إلى الهدف المنشود، وهو معرفة الصواب.

كما أرجو أن لا يطول بنا الطريق، فزادي قليل، وعلمي ضئيل، وساقي هزيل، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله.

دمتَ بكلِّ الودِّ والتقدير

مع عاطر التحايا

ـ[ديك الجن]ــــــــ[29 - 08 - 2004, 01:37 ص]ـ

الله الله!

ما أجمل حديثك أخي حازم

أتمنى أن يطول الطريق بنا، فمن كنتَ رفيقه لا يبالي متى بلغ المنزل

أعجبني هذا الحصار المحكم بالأسئلة ولعمري فإن الأسئلة أقصر الدروب إلى المعرفة، ولا شيء أنفع للقناعات من محاصرتها بالشكوك والأسئلة. وسأبقى في مكاني الذي وضعتني فيه مستجوَبا محاصَرا ولتبق أنت في مكانك مستجوِبا محاصرا، وليكن ذلك إلى حين.

ويبدو أن السحر انقلب على الساحر فقد أردت أن أثير الشبهات حول حالية الجملة فثارت الشبهات حول شبهاتي. ما أسعدني بك أخي وما أحراني بالإفادة منك!

كل تصويباتك لي في محلها في ما يخص الاستئنافية والابتدائية والاعتراضبة.

وأنا لم أسق ذلك إلا للتأكيد أن أي إعراب ـ سوى الحال ـ سأقتنع به. وليس بيني وبين الحال عداوة، لكني لم أستسغ أن أعربها حالا. وقد صرحتُ بأني مصر على أنها ليست حالا ولتكن ماشاءت.

إن المخاطب في (لا تبعد) و المفعول في (يدفنونني) والمضاف إليه في (مكانيا) هو واحد / مالك بن الريب نفسه.

ولا أعرف ما ذا تقصد بالرابط؟ هل هو رابط مثل ما يربط جملة الحال بصاحبها؟

وأما سؤالك القائم " ما هي فائدة معنى الشطر الثاني بصدر البيت؟ " فهلا وضحته قليلا؟

أنا قلت يستغرب ويتعجب وأنت قلت يستنكر، وفي الحالتين فموضوع استغرابه أو استنكاره هو ما يفعله الذين يدعون له بألا يبعد وهم أنفسهم يمارسون إبعاده. أما أنه تقرير حال فلك ما تراه لكني ألمس علاقة قوية بين (مكان البعد) و (لا تبعد) وهي علاقة تتعدى مجرد تقرير حال، وإذا كانت تقرير حال فإن الشطر الأول لا داعي له أصلا.

أخي حازم:

أنا أنطلق من المعاني إلى التراكيب، من المعنى إلى الوصف النحوي. وقد رأيت أن جملة (وهم يدفنونني) لم تخطر على بال مالك بعد قوله (يقولون لا تبعد) إلا لأن له فيها معنى غير مجرد وصفهم بها، هذا المعنى هو أنهم يفعلون به فعلين متناقضين، الأول: الدعاء بعدم البعد، والثاني: وضعه في مكان البعد (الدفن). وعلى هذا المعنى فقد تساوت قوة الفعلين وأهميتهما وهذا التساوي في القوة لا يمكن أن يجعل أحدهما فضلة / حالا.

أما إذا اعربنا ها حالا فهذا يعني أنها يمكن الاستغناء عنها وأنا ـ حسب فهمي للبيت ـ أرى أنها ضرورية وتؤدي معنى ضروريا، وهو مناقضة الفعل الأل، وهذا التناقض هو ما يمهد لما سميته أنا بالاستغراب والتعجب وما سميته أنت بالإنكار، وسأغفل تماما قولك أنه تقرير حال.

ولو أنك سألتني مم يستغرب ويتعجب أو ما ذا يستنكر؟ لكان جوابي هو: من فعلين متناقضين رأى مالك جماعته يفعلونهما به.

هذا وقد ضربت مثلا بالجملة التي ختمت بها ردي السابق وهي: تقول لي لا تتألم، وأنت تضربني، كيف لا أتألم؟!!

وقد أملت منها أن توضح ما أعنيه.

إن معنى الاستغراب أو الإنكار في الشطر الثاني هو ما جعلني أستبعد حالية (وهم يدفنونني) كما أستبعد اعتراضيتها فالحال والاعتراض لا يمكن أن يكونا في قوة الابتداء ليكونا مناقضين له ومساويين لقوته.

أخي حازم: ليس هناك إلا معنى واحد أراده مالك من بيته هذا، أي أنه ليس هناك إلا إعراب واحد صحيح، وأما تعدد الإعرابات فهو ليس لأن المعنى متعدد بل لأن الأفهام متعددة. بعبارة أخرى، كلما تعددت الإعرابات لقول واحد فواحد منها فقط هو الصحيح.

أعتذر عن طول حدبثي فسلت ممن يحسنون الإيجاز.

أستاذي حازم: ليلنا جميل ونسيمه عليل فدع الطريق يطول. نعم الرفيق أنت.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير