تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال جماعة من أئمَّة العربية: إنه مستثنى من قوله تعالى {فأسرِ بأهلِك}، ليكون مستثنًى من موجب، وهذا فيه إشكال من جهة المعنى، إذ يلزم من استثنائه من {فأسرِ بأهلِك}، أن لا يكون أسرَى بها، وإذا لم يَسْرِ بها كيف يقال: {لا يلتفتْ منكم أحدٌ إلا امرأتُك}، على قراءة الرفع فكيف تؤمر بالالتفات وقد أُمِر أن لا يسْريَ بها، فهي لمَّا التفتت كانت قد سَرت معهم قطعًا، فيجوز أن يكون هو لم يَسْرِ بها ولكنَّها تَبِعَتْهم، والتفتت فأصابها ما أصاب قومها.

والذي يظهر لي أنَّ الاستثناء على القراءتين منقطع، لم يُقصد به إخراجها من المأمور بالإسْراء بهم، ولا من المنهيين عن الالتفات، ولكن استُؤنف الإخبار عنها، بمعنى لكنَّ امرأتَك يجري لها كيت وكيت، والدليل على صحَّة هذا المعنى أنَّ مثل هذه الآية جاءت في سورة الحجر وليس فيها استثناء أصلا، فقال تعالى: {فأسْرِ بأهلِك بِقِطْعٍ من الَّيلِ واتَّبِعْ أدبارَهم ولا يلتفتْ منكم أحدٌ وامْضوا حيثُ تُؤمَرون}، فلم تقع العناية إلا بذكر من أنجاهم الله تعالى، فجاء شرح حال امرأته في سورة هود تبعًا لا مقصودًا بالإخراج مما تقدم.

ونحو ذلك قوله تعالى في سورة الحجر: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ إلا من اتَّبَعك من الغاوين}.

قال كثير من المفسِّرين: إنه استثناء متصل، وبنَى قوم على ذلك جواب الاستثناء الأكثر من الأقل؛ لأن الغاوي أكثر من المهتدي، وعندي أنه منقطع، بدليل أنه في سورة سبحان: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ وكفى بربك وكيلاً}، فأطلق ولم يستثن " الغاوين "، دلَّ على أنه أراد بقوله تعالى: {عبادي المخلصين} المكلَّفين، وهم ليس للشيطان عليهم سلطان، فلا حاجة إلى استثناء الغواة منهم، فحيث جاء في الحجر استثناء الغواة كان على سبيل الانقطاع، أي لكنَّ مَن اتَّبعك من الغاوين لك عليهم سلطان.

فإذا اتَّضح هذا المعنى لك علمت أنَّ القراءتين واردتان على ما يقتضيه العربية في الاستثناء المنقطع.

ففيه لغتان النصب والرفع فالنصب لغة أهل الحجاز، والرفع لبني تميم] انتهى

أقول: يمكن أن يُحمَل الاستثناء في الحديث على أنه استثناء منقطع، وبذلك يجوز في المستثنى الوجهان: الرفع والنصب.

وبذلك نخرج من خلاف البصريين والكوفيين، ونقع في خلاف أهل الحجاز وبني تميم.

" سَلِمنا مِن خِلافٍ إلى خِلاف "

ويبدو لي أنه الأسهل، وقد تعلَّمتُ من شيخي العلاَّمة ابن عثيمين – رحمه اللهُ – أنه إذا اختلف النحاةُ في إعرابٍ، يُؤخَذُ بالأسهل، واللهُ أعلم.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نَبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبه أجمعين.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير