كظلمات: الكاف حرف جر وظلمات اسم مجرور بالكاف وهو في الأصل مضاف إليه ناب عن المضاف المحذوف، والتقدير: كصاحب ظلمات أو كذي ظلمات، يدل على حذف المضاف _ كما قال أبو علي الفارسي في الحجة _ قوله تعالى: إذا أخرج يده لم يكد يراها. وهذه الجملة الشرطية (إذا أخرج يده لم يكد يراها) يا أبا أيمن تحتمل أن تكون صفة لصاحب ظلمات أو حالا منه لأنه نكرة تخصصت بالإضافة.
في بحر: الجار والمجرور متعلقان بصفة للمضاف المحذوف أو للظلمات.
من فوقه موج:
موج: إما فاعل للظرف لأنه اعتمد على موصوف (على المذهبين كما قال جامع العلوم الباقولي في كشف المشكلات، يعني مذهب سيبويه والأخفش) وإما مبتدأ مؤخر كما ذكرتم. وينطبق هذا على (من فوقه سحاب).
ظلمات (الثانية) بالرفع: تحتمل أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره: هي أو هذه، وتحتمل أن تكون بدلا من سحاب ذكره الباقولي أيضا أي أن السحاب نفسه ظلمات بعضها فوق بعض، وهذا قريب في المعنى من قراءة إضافة السحاب إلى الظلمات (سحابُ ظلماتٍ)، وذكر الباقولي وجها ثالثا وهو أن تكون مبتدأ وصف بالجملة التي بعدها (بعضها فوق بعض) ولكنه لم يذكر ماذا يكون الخبر عندئذ. وأقول قد يكون تقدير الخبر: فوقه، أي: ظلمات بعضها فوق بعض فوقه، أي فوق ذي ظلمات.
أما أن يكون ظلمات الثانية بالجر توكيدا لفظيا للأولى فليس بمتجه ألبتة وإنما هو بدل لا غير.
فالتوكيد اللفظي يكون بإعادة لفظ المؤكد مع ما يتبعه من صلة أو صفة وقد اختلفت صفة كل منهما ها هنا.
وظلمات الأولى والثانية متساويتان في التنكير فكل واحدة منهما نكرة تخصصت بالصفة. ولا يقاس التوكيد اللفظي على المعنوي، فالمعنوي يكون بألفاظ مخصوصة لا تستعمل أغلبها إلا مضافة إلى الضمائر فهي معارف وما لا يضاف منها معارف أيضا من حيث المعنى.
وأظن أن من ذهب إلى أنها (أعني ظلمات الثانية) توكيد لفظي ساهٍ.
وقد ورد البدل بلفظ المبدل منه كثيرا كآية الفاتحة التي ذكرتَها وكقوله تعالى: لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة. وقال امرؤ القيس:
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة ***** فقالت لك الويلات إنك مرجلي.
أرجو أن يكون فيما قدمت تكملة لما بدأتم به والفضل للمتقدم.
أخوكم /الأغر.
ـ[أبوأيمن]ــــــــ[15 - 04 - 2005, 03:09 م]ـ
قِف بِالدِيارِ الَّتي لَم يَعفُها القِدَمُ ... بَلى وَغَيَّرَها الأَرواحُ وَالدِيَمُ
لا الدارُ غَيَّرَها بَعدي الأَنيسُ وَلا ... بِالدارِ لَو كَلَّمَت ذا حاجَةٍ صَمَمُ
دارٌ لِأَسماءَ بِالغَمرَينِ ماثِلَةٌ ... كَالوَحيِ لَيسَ بِها مِن أَهلِها أَرِمُ
وَقَد أَراها حَديثاً غَيرَ مُقوِيَةٍ ... السِرُّ مِنها فَوادي الحَفرِ فَالهِدَمُ
فَاِستَبدَلَت بَعدَنا داراً يَمانِيَّةً ... تَرعى الخَريفَ فَأَدنى دارِها ظَلِمُ
إِنَّ البَخيلَ مَلومٌ حَيثُ كانَ وَلَ ... كِنَّ الجَوادَ عَلى عِلّاتِهِ هَرِمُ
هُوَ الجَوادُ الَّذي يُعطيكَ نائِلَهُ ... عَفواً وَيُظلَمُ أَحياناً فَيَظَّلِمُ
وَإِن أَتاهُ خَليلٌ يَومَ مَسأَلَةٍ ... يَقولُ لا غائِبٌ مالي وَلا حَرِمُ
فَضَّلَهُ فَوقَ أَقوامٍ وَمَجَّدَهُ ... ما لَم يَنالوا وَإِن جادوا وَإِن كَرُموا
قَودُ الجِيادِ وَإِصهارُ المُلوكِ وَصَب ... رٌ في مَواطِنَ لَو كانوا بِها سَئِموا
أستاذي الحبيب حازم، أين أنتم عن صفحة التبيان؟ فقد طال غيابكم كما اشتقنا إلى مرافقة بيانكم
الأستاذ الكريم / الأغر
قلتم: (أما أن يكون ظلمات الثانية بالجر توكيدا لفظيا للأولى فليس بمتجه ألبتة وإنما هو بدل لا غير.
فالتوكيد اللفظي يكون بإعادة لفظ المؤكد مع ما يتبعه من صلة أو صفة وقد اختلفت صفة كل منهما ها هنا.)
إنما قسته على رأي الكوفيين: حيث لم يشترطوا اتحاد التوكيد والمؤكد في التعريف،
والتوكيد والمؤكد في الآية متفقان لفظا – وهو الشرط – وإنما اختلفا من حيث المتعلق
قلتم: (وظلمات الأولى والثانية متساويتان في التنكير فكل واحدة منهما نكرة تخصصت بالصفة.)
أظن أنهما مختلفتان، ف "ظلمات" الأولى "في بحر لجي" أما الثانية فباقية على عمومها، ألا ترون أن "ظلمات بعضها فوق بعض" يشمل "ظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب"
قلتم: وأظن أن من ذهب إلى أنها (أعني ظلمات الثانية) توكيد لفظي ساهٍ.
حاولت أن أجد له مخرجا، و أن حمل كلامه على أحسن الوجوه وذلك أولى، ويبقى كل ذلك محل نظر وتمحيص
وتقبلوا وافر الشكر و أطيب التحايا
تلميذكم / أبو أيمن
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[21 - 04 - 2005, 01:16 ص]ـ
أخي الكريم أبا أيمن حفظه الله
الخلاف بين البصريين والكوفيين إنما هو في جواز توكيد النكرة توكيدا معنويا في نحو: صمت شهرا أجمع أما التوكيد اللفظي فلا أعرف بينهم خلافا في مسألة التعريف والتنكير، ذلك أنه لو اختلفا (التوكيد والمؤكَّد) في التعريف والتنكير لخرجا من باب التوكيد فلو قلنا مثلا مررت بالغلام غلام امرأة، صار غلام الثاني بدلا من الأول ولا يجوز أن يكون توكيدا لفظيا، فالتوكيد اللفظي تكرير للموكد بلفظه، فلو أردنا أن نؤكد (ظلمات في بحر لجي) في غير القرآن لقلنا/ ظلمات في بحر لجي ظلمات في بحر لجي، ولو أردنا توكيد (ظلمات) وحدها لقلنا ظلمات ظلمات في بحر لجي.
فقولك (إنما قسته على رأي الكوفيين: حيث لم يشترطوا اتحاد التوكيد والمؤكد في التعريف،
والتوكيد والمؤكد في الآية متفقان لفظا – وهو الشرط – وإنما اختلفا من حيث المتعلق)
يصح لو كان الأمر متعلقا بالتوكيد المعنوي.
أما قولك: (أظن أنهما مختلفتان، ف "ظلمات" الأولى "في بحر لجي" أما الثانية فباقية على عمومها، ألا ترون أن "ظلمات بعضها فوق بعض" يشمل "ظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب")
صحيح (ظلمات بعضها فوق بعض) أعم من (ظلمات في بحر لجي) ولكن تبقى (ظلمات) نكرة في العبارتين، لكن إجداهما أعم من الثانية وهذا لا يجعل الثانية مختلفة في الحكم نحويا.
أشكرك على تفاعلك المميز ومتابعتك للموضوعات وتعليقك عليها وتستحق الإشراف بجدارة وفقك الله وسددك.
¥