فأنَّث " شَرِقَ " و" الصدرُ " مذكَّر.
وأنشد الفرَّاءُ (من الطويل):
علَى قَبضَةٍ مَوْجوءَةٍ ظَهْرُ كَفِّهِ & فلا المَرءُ مُسْتَحيٍ ولا هُوَ طاعِمُ
أراد: موجوءةٍ كَفُّه
وقال ابن مقبل (من البسيط):
وصَرَّحَ السَّيرُ عَن كتمان وابتُذِلتْ & وقعُ المَحاجِنِ بِالمِهْرِيَّةِ الذُّقُنِ
أراد: وابتُذلت المحاجن
وقال طفيل (من الطويل):
مَضَوْا سَلفًا قَصْدَ السبيلِ عليهمُ & وصَرفُ المنايا بِالرجالِ تَقَلَّبُ
أراد: والمنايا تقلَّب
وقال صخر الهذليُّ (من المنسرح):
عاوَدَني حُبُّها وقد شَحطَتْ & صَرفُ نَواها فإنَّني كَمِدُ
أراد: وقد شحطت نواها.
وقال النابغة (من البسيط):
حتَّى اسْتَغَثْنَ بِأهلِ المِلْحِ ضاحِيَةً & يَركُضْنَ قدْ قَلقتْ عَقْدُ الأطايِبِ
أراد: قد قلقت الأطايب
وقال جرير (من الكامل):
لمَّا أتَى خَبرُ الزُّبَيرِ تَواضعتْ & سُورُ المدينةِ والجِبالُ الخُشَّعُ
أراد: تواضعت المدينة.
وممَّا ورد بالتأنيث والجمع معًا، قال الفرَّاء: أنشدني أبو ثروان (من الوافر):
أرَى مَرَّ السنينَ أخَذْنَ مِنِّي & كما أخذَ السَّرارُ مِنَ الهِلالِ
أراد: أرَى السنين أخذن مني، والبيت لجرير من قصيدةٍ يهجو فيها الفرزدق.
وقال الآخر (من المتقارب):
ومَرُّ الليالي وتكرارُها & يُدنِّينَهُ لانْقِطاعِ الأجَلْ
[هل " حبُّ " بعض الديار، أو كبعضها، أو كلها؟]
استشهاد ابنِ هشامٍ بهذا البيت، وغيرِه من علماء النحو، دليل كافٍ.
وإضافة إلى ذلك، فقد وجَّه بجوازه صاحب " النحو الوافي "، حيث قال:
(المذكر مضاف، وكلمة " الديارِ " مضاف إليه مؤنثة، فاكتسب منها التأنيث.
والمضاف هنا وهو كلمة " حبُّ " ليس جزءًا من المضاف إليه، ولكنه يشبهه في أنَّ له اتصالاً عرضيًّا وارتباطًا سببيًّا به ‘ فالصلة بين الحبِّ وديار الأهل والأصدقاء معروفة.
والشرط الثاني متحقِّق هنا، فمن الممكن حذف المضاف والاكتفاء بالمضاف إليه من غير فسادٍ للمعنى، فيقال: " الديار شغفنَ قلبي ") انتهى
[هل يجوز أن نعرب جملة " شغفن " حالاً من المضاف إليه، ونقدِّر خبرًا مناسبًا للسياق]
حسب رأيي القاصر، أقول يبعد تصوُّر هذا الاتجاه - والله أعلم -، وذلك من وجهين:
الوجه الأول: أنَّ جملة " شغفن " هي التي تمَّت بها الفائدة، واكتمل بها ركنا الجملة الاسمية، وما كان كذلك، فهو الأولَى أن يكون خبرًا، ولا حاجة للتقدير.
أرأيتَ – أستاذي الكريم – لو قيل: " فضلُكَ فضلان "، " علمُك علمٌ نافعٌ "
فإنه وإن بيَّن العدد في الأول، والنوع في الثاني، فهو خبر عن " فضلُك " في الأول.
وخبر عن " علمُك " في الثاني.
الوجه الثاني: إعراب جملة " شغفن " حالاً، يغيِّر معنى ما أراده " مجنون ليلَى "، فقد نفَى عن نفسه حبَّ الديار، فإذا قلنا: إنَّ الجملة حال، فقد أثبتنا حبَّه للديار في حالٍ معيَّنة، أليس كذلك؟
والله أعلم.
أخيرًا، إن قال قائل: ألا يمكن أن تكون الجملة الاسمية " وما حبُّ الديار شغفن قلبي " حالاً؟
قلتُ: بلَى، إن أريد اتصالُ الكلام بالبيت الذي قبله.
أمُرُّ على الديارِ ديارِ ليلَى & أُقَبِّلُ ذا الجدارَ وذا الجِدارا
فتكون، الواو من " وما حبُّ ": واو الحال
حبُّ: مبتدأ، وجملة " شغفنَ " في محل رفع خبر المبتدأ.
والجملة الاسمية في محل نصب حال من فاعل " أقَبِّلُ " المستتر، والرابط الواو، والضمير المتصل في " قلبي "، والله أعلم.
ختامًا – أستاذي الفاضل -، بكلِّ أدبٍ وخجلٍ، أرجو أن أنسحب الآن، فأدرك النجاة قبل فوات الأوان.
ختامًا، تقبَّل من تلميذك المحبّ:
من الشكر أعمقَه
ومن الثناءِ أصدقَه
ومن خالص الودِّ أرقَّه
دمتَ علمًا شامخًا
ـ[بديع الزمان]ــــــــ[19 - 10 - 2004, 11:28 م]ـ
أيها الأستاذ النابغة يا غرة الفصيح وعلامته البارزة يا ذا الفضل والتقدمة
ما الفضل إلاّ لأهل العلم إنّهمٌ على الهدى لمن استهدى أدّلاء
ليتك رأيتني وأنا أطالع لوحة العرض مشدوها مبهورا!! فلم أدر كيف يكون ردّ الجميل وشكر الصنيع0
أخي الغالي، بارك الله لك في علمك وبارك لنا في الفصيح بحضورك السخيّ وأدبك الجمّ وخلقك القويم وجوابك المسدّد0
بإعجاب كبير أختار ما ذهبت إليه في هذه المسائل التي ناقشتها باستفاضة وسقت من أجلها الشواهد الكاشفة والمثل الواضحة والحجج الجليّة، ويعلم الله أنني عندما طرحت تساؤلاتي لم أكن مستدركا وأنّى لي ذلك!! بل كان سؤالا استفهاميّا على ظاهر معناه لم يضمن أي معنى آخر0
وهكذا كان سؤالي في محله إذ وافق كريما سخيا لا يبخل بعلم ولا يظن بفائدة0
فلله درّك ودرّ أبيك وأمّك0
لك مني أخلص الشكر وأصدق الدعاء بدوام التوفيق والتألق0
ـ[المعتز بالإسلام]ــــــــ[21 - 10 - 2004, 09:28 ص]ـ
أليس نون النسوة لا محل لها من الإعراب؟!
¥