ثَلاثةٌ تُشرِقُ الدنيا بِبَهجَتِها & شمس الضُّحَى " وأخو الإبداعِ " والقَمَرُ
أستاذي الأمجد النِّحرير / " بديع الزمان "
قد – والله – أسعدتنا بالحال والمقال، بتواضعك الجمّ المشهود، وأدبك الرفيع المحمود، وبهاء حروفك، ولطف كلماتك.
وأبهجتَ قلوبنا بمرورك العطِر، ومشاركتك القيِّمة، التي تلألأت بها الأنوار، وتبسَّمت لها الأزهار، وانتشرت بجمالها الفرحة، فعمَّت أرجاء هذه الصفحة.
أما بالنسبة لكلمات الإطراء عالية المستوى، التي ذكرتَها، فقد نظرتُ في نفسي، فوجدتُ أنَّ بيني وبينها بونًا شاسعًا لا يدركه البصر، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله.
أستاذي الكريم، قد ترددتُ كثيرًا في مشاركتي السابقة من أجل " نون النسوة "، ثمَّ طويتُ الإجابة " على حين غفلةٍ من أهلها "، وولَّيتُ هاربًا قبل أن ينكشف أمري، أو يُفتَضح جهلي، ولكن أنَّى أستطيع الفرار؟ " وأولو العزم " من أهل العلم والدراية لا تَخفَى عليهم هذه المسائل، فقد بدا لكم الخَلل واضحًا، والنقص جليًّا، زادكم الله علمًا وتوفيقًا.
أستاذي البديع، مَن استطاع أن يغوص في أعماق البحار ويكتشف ببراعة فائقة الدرر النفيسة، لا يحتاج لإمكانات إن أراد الإبحار، ما شاء الله، بارك الله فيكم وزادكم فضلا.
وما أرى تساؤلاتك إلاَّ من أجل إثراء هذه المشاركة، وتثبيت أركانها، وإحكام ثغراتها، وسدِّ فراغاتها، فما أروعك، وما أبدعك.
وحيث قد أُحكِم الحصار عليَّ، فلا مفرَّ من محاولة بائسة يائسة، وأسال الله العون والتيسير.
لتوجيه كلام العرب حول إعادة الضمير إلى المضاف إليه بدلاً من المضاف، رأيان:
الرأي الأوَّل: ما ذهب إليه ابنُ مالكٍ في " الخلاصة "، ووافقه ابنُ هشامٍ في " أوضح المسالك "، أنَّ المضاف يكتسب التأنيث من المضاف إليه بالشرط المعتبَر، ولم يزد ابنُ مالكٍ على ذلك، وذلك لقلَّة هذا الأمر.
إلاَّ أنَّ بعض شُرَّاح الألفية أضافوا أمورًا أخرَى قد يكتسبها المضاف من المضاف إليه.
وقد عُلِّلَ تخصيص ابن مالكٍ التأنيث لأنه الأغلب، ولكن هذا لا يمنع اكتساب غيره.
وقد فصَّل ابن هشامٍ في " مُغنيه " الأمور الأخرى التي يكتسبها المضاف، وأوصلها إلى أكثر من عشرة أمور، منها:
التعريف، التخصيص، التخفيف، تذكير المؤنث، وتأنيث المذكَّر.
ومع أنه قد استشهد ببيت " مجنون ليلَى "، إلاَّ أنه لم يتعرَّض لذكر " الجمع "،
وما حبُّ الديارِ شَغَفْنَ قلبي
فكأنَّه اعتبر أنَّ اكتساب الجمع تبع للتأنيث، فإذا اكتسب التأنيث، فاكتساب الجمع من بابِ أولَى.
لكنَّ الصبَّان والخضري قد نصَّا في " حاشيتيهما " على أنَّ اكتساب " الجمع " حاصل أيضًا، مستشهدين ببيت " المجنون ".
الرأي الثاني: أنَّ الضمير قد يعود مباشرة إلى المضاف إليه.
ومع هذا الرأي، لا نحتاج إلى القول باكتساب المضاف بعض الأمور من المضاف إليه.
وقد جنح أبو بكر الأنباري في كتابه " المذكر والمؤنث " إلى هذا الرأي، بعد أن أفرد له بابًا، سمَّاه: " باب ما يُضافُ من المذكَّر إلى المؤنث، فيُحمل مرَّة على لفظ المذكَّر فيُذكَّر، ومرَّة على لفظ المؤنث فيُؤنَّث ".
وحشد له الأدِّلة من كلام العرب وأشعارهم.
وورد هذا الرأي أيضًا، في شرح " عُمدة الحافظ، وعُدَّة اللافظ " لجمال الدين محمد بن مالك – رحمه الله -، حيث جاء في فصل الإضافة:
(والأصل في جزأي الإضافة أن يكون أولهما معتمدًا بالذكر، وثانيهما مكملاً له بتعريفٍ أو تخصيص، ثم إنه قد يُجعل الأول غير مُعتدٍّ به، كأنه لم يُذكر، ويكون الاعتماد في إخبارٍ وغيره على الثاني)
فمن ذلك، قول الله تعالى، في سورة الشعراء: {فظَلَّتْ أعناقُهُمْ لها خاضِعينَ}
فعلى أحد الأقوال: أنَّ تأنيث " ظلَّ " على لفظ " الأعناق "، وتذكير " خاضعين " على معنى القوم.
ومنه، قول جميل بن معمر العذريِّ، (من الطويل):
ألا ليتَ أيَّامَ الصَّفاءِ جَديدُ & وعَهدًا تَولَّى – يا بُثَيْنُ – يَعودُ
ألغى ذكر " الأيام "، وجاء بالخبر مفردًا على وفق " الصفاء ".
وممَّا جاء في أشعار العرب من هذا الباب، قول الأعشى (من الطويل):
وتَشْرَقُ بِالقَوْلِ الذي قدْ أذَعْتُهُ & كما شَرِقَتْ صَدْرُ القَناةِ مِنَ الدَّمِ
¥