إنْ لاحَ طَيفُ قلتُ: يا عَينُ انظُري * أوْ رنَّ صَوتٌ قلتُ: يا أُذنُ اسْمَعي
فإذا الذي في القَصرِ مِثلي حائرٌ * وإذا الذي في القَفرِ مِثلي لا يَعي
حتَّى إذا نَشَرَ القُنوطُ ضَبابَهُ * فَوقي فَغَيَّبني وغَيَّبَ مَوضعي
وتَقَطَّعتْ أمْراسُ آمالي بها * وهْيَ التي مِن قَبلُ لمْ تَتَقَطَّعِ
عَصَرَ الأَسَى روحي فَسالَتْ أدْمُعًا * فَلَمحتُها ولَمسْتُها في أدْمُعي
وعَلِمتُ حِينَ العِلمُ لا يُجْدي الفَتى * أنَّ التي ضَيَّعتُها كانتْ معي
أستاذي الأمجد / " الأخفش "
بدايةً، أودُّ أن أسجِّل شكري الخاص، وتقديري وإعجابي، بهذا الطرح الرائع الذي أتحفتمونا به، وبهذا الفهم الدقيق، والانتباه الواعي الركيز، على مختلف المعاني التي تمرُّ بكم، بارك الله فيكم، وزادكم علمًا ونورًا.
كما أشكر كلَّ مَن شارك برأيه السديد، وأمتعنا ببيانه المفيد، بارك الله فيهم جميعًا.
وأودُّ أن أوجِّه شكري وتقديري إلى أستاذي الألمعي الموفَّق " النحوي الكبير "، الذي تصدَّى للإجابة ببراعة فائقة، وبداهة حاذقة، فتألَّقت إجابتُه نورًا، واختالت حروفها حُبورًا، بارك الله في علمه، ونفع به.
كما أشكر أستاذي الفذُّ " خالد الشبل " على معلوماته الثمينة التي أفادنا بها حول الفرق الدقيق بين وصف العدد وتمييزه، والذي يدلُّ على متانة عِلمه، وعُلُوِّ شأنه، زاده الله علمًا ونورًا، ونفع به.
ورأيت أنَّ الموضوع قد استوفَى حقَّه، ونال مُستحقَّه، ولا مجال لمثلي أن يضيفَ شيئًا جديدًا على ما ذُكر.
ولعليِّ أحاول فقط، أن أتأمَّل – بإعجاب – معاني الأقوال المذكورة.
" أُصيبَ ثلاثةُ جنودٍ آخرين “ أو " أُصيبَ ثلاثةُ جنودٍ آخرون "
لا أرَى فيها – حسب علمي القاصر - إلاَّ وجهًا واحدًا، وهو الرفع، كما ذهب إليه أستاذي " النحوي الكبير "
فإذا قيل: " أُصيبَ ثلاثةُ جنودٍ آخرون “
كلمة " آخرون " نعت للعدد " ثلاثة " مرفوع.
وتفيد هذه الجملة، أنَّه قد وقعت إصابات قبل إعلان هذا النبأ، وأنَّ عدد المصابين قد ازداد ثلاثة.
فإن كان قد أصيب سابقًا أربعة جنودٍ، فيصبح مجموع المصابين سبعة جنود.
ولا يلزم معه أنَّ العدد السابق للمصابين كان ثلاثة، ولا يلزم كذلك أن يصاب كل مرة ثلاثة، فيمكن أن يقال: " أصيبَ جنديٌّ آخرُ " أو " أصيبَ جنديان آخران "، أو يقال: " أصيب أربعة جنودٍ آخرون " وهكذا.
فإن قال قائل: فلم لا يجوز الوجه الآخر؟
ألستُم تزعمون أنَّ النعتَ يقع للمميِّز، أو المميَّز؟
قلتُ، بلى، هو كذلك
فتقول: " أصيبَ ثلاثةُ جنودٍ مقاتِلون "، تفيد هذه الجملة أنَّ مَن أصيبَ هو من المقاتلين، ولا تفيد أنَّ كل الجنود مقاتِلون.
وإذا قلتَ: " أصيبَ ثلاثةُ جنودٍ مقاتلين "، أفادت هذه الجملة أنَّ كلَّ الجنود مِن المقاتلين، ويلزم معها أنَّ مَن أصيب مقاتل أيضًا.
لكن، الوصف بكلمة " آخر " يمنع المعنى الثاني، إذ أنه لا يُعقَل أنَّ كل الجنود يُنعتون بـ " آخرين "، لأنَّ كلمة " آخرين " تقتضي تقسيمًا، وهذا لا يمكن أن يقع نعتًا للجنود، وقد وقع نعتًا للمصابين منهم لإفادة السَّامع أنَّ هناك إصاباتٍ سابقة، والله أعلم.
فإن استمرَّ مدافعًا عن إمكانية جرِّ كلمة " الآخرين "، قائلاً:
فلِم لا تجرُّ على المجاورة؟
قلتُ: الجرُّ بالمجاورة ضعيف جدًّا، قاله أبو حيَّان.
وأنكره مطلقًا السيرافي وابن جنِّي، وما ورد في كلام العرب فهو مؤول.
وأيضًا، لا بدَّ من سلامة المعنى، وأمن اللبس.
وهنا، يلتبس المعنى، فلا ندري هل المقصود وصف العدد أم تمييزه، فلا بدَّ من وضوح الإعراب ليسلم المعنى.
تأمَّل قوله تعالى، في سورة البقرة: {فَعِدَّةٌ مِن أيَّامٍ أُخَرَ} الآية.
عدل عن أن يوصف الأيام بوصف الواحدة المؤنث، فكان، يكون: " من أيام أخرى "، كقوله تعالى في سورة طه: {وليَ فيها مَآرِبُ أخرَى}، وإن كان جائزًا فصيحًا، كالوصف بـ" أُخَرَ "، لأنه كان يلبس أن يكون صفة لقوله {فَعِدَّةٌ}، فلا يدرى أهو وصف لـ" عِدَّةٌ "، أم لـ" أيامٍ "، وذلك لخفاء الإعراب لكونه مقصورًا، بخلاف: {أُخَرَ}، فإنه نصٌّ في أنه صفة لـ" أيامٍ "، لاختلاف إعرابه مع إعراب " فعِدَّةٌ "، والله أعلم.
أخيرًا، بقي النظر في معرفة التعبير الذي يفيد أنَّ عدد المصابين السابق كان ثلاثة، وازداد ثلاثة، وهو ما أشار إليه الأخ الفاضل " إبراهيم " - وفَّقه الله -.
قلتُ: يحتاج الأمر لرأي أساتذتي الكرام لكيفية صياغة هذا التعبير.
ولعلَّ إضافة كلمة " أيضًا " كأحد الاختيارات تفيد ذلك.
فيقال: " أُصيبَ ثلاثةُ جنودٍ آخرون أيضًا "، والله أعلم.
هذا ما استطعت فهمه، وبالله التوفيق.
ختامًا، أستاذي الكريم، أرجو أن أكون قد ابتعدتُ – قدر المستطاع – عن تشويش الجواب، وأن أكون قد وُفِّقتُ للسير في طريق الصواب.
وللجميع عاطر التحايا
¥