تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[علي المعشي]ــــــــ[31 - 01 - 2007, 10:59 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله

هناك ثلاثة وجوه لرفع (الصابئون) كما يلي:

الأول:

(ان الذين امنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله ... الآية) المائده 69

" الصابئون " هنا معطوفة على موضع (إن واسمها) وموضع (إن واسمها) هو الابتداء، فحقها أن تُرفع بالعطف على موضع الرفع.

.الثاني: أن الآية فيها تقديم وتأخير، وعلى ذلك يكون سياق المعنى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى، من آمن بالله ... فلا خوف عليهم، ولاهم يحزنون، والصابئون كذلك، فتعرب مبتدأً مرفوعا، وعلامة رفعه الواو، لأنه جمع مذكر سالم. ونظير ذلك من لغة العرب قول الشاعر:

فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وَقَيَّار ٌبها لغريب

وموطن الشاهد قوله "قيار"، وهو اسم لحصانه، أو جمله؛ فقد جاءت هذه الكلمة مرفوعة على أنها مبتدأ، ولم تجئ منصوبة على أنها معطوفة على اسم إن المنصوب وهو ياء المتكلم في قوله (فإني).

الثالث: أن " الصابئون " مبتدأ، والنصارى معطوف عليه، وجملة من آمن بالله ... خبر "الصابئون"، وأما خبر "إن" فهو محذوف دل عليه خبر المبتدأ "الصابئون"، ونظير ذلك من لغة العرب قول الشاعر:

نحن بما عندنا، وأنت بما ... عندك راضٍ، والأمر مختلف

والشاهد فيه أن المبتدأ "نحن" لم يذكر خبره، اكتفاء بخبر المعطوف "أنت"؛ فخبره "راض" يدل على خبر المبتدأ الأول، وتقدير الكلام: نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض.

كان ذلك ما يخص الرفع، ولكن ماذا عن الغرض البلاغي من الرفع؟

*لقد اجتهد ابن عاشور في تفسيره في تلمس الفائدة البلاغية فقال ما معناه:

إن الرفع في هذا السياق غريب، فيتوقف القارئ عنده: لماذا رفع هذا الاسم بالذات، مع أن المألوف في مثل هذا أن ينصب؟

ثم قال: إن هذه الغرابة في رفع (الصابئون) تناسب غرابة دخول الصابئين في الوعد بالمغفرة، لأنهم يعبدون الكواكب، فهم أبعد عن الهدى من اليهود والنصارى، حتى إنهم يكادون ييأسون من الوعد بالمغفرة والنجاة فنبه بذلك على أن عفو الله عظيم. يشمل كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً وإن كان من الصابئين.

** أما الخطيب الإسكافي في (درة التنزيل وغرة التأويل) فيربط ذلك بترتيب هذه الفئات في آيتين أخريين في سورتي (البقرة، الحج) على النحو التالي:

إن الترتيب في كل آية من الثلاث كان على أساس معين، ففي آية البقرة:" إن الذينَ آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين منْ آمنَ بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرُهم عندَ ربهم ... " كان الترتيب حسب ترتيب الكتب المنزلة

إذ كان البدء بأهل الكتب السماوية مرتبة زمنيا، ثم ذكر من لا كتاب لهم وإن تقدم وجودهم الزمني على أهل الكتب .. لنلاحظ:

إن الذين آمنوا (يقصد بهم الذين آمنوا بكتب الله المتقدمة مثل صحف إبراهيم، والذين هادوا أهل التوراة، والنصارى أهل الإنجيل، فهذا ترتيب حسب تَرَتّيبَ تنزيل الله كتبَه، فصحف إبراهيم عليه السلام قبل التوراة على موسى عليه السلام، والتوراة قبل الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام، ثم أتى بذكرالصابئين الذين لا يثبتون على دين، وينتقلون من ملة إلى ملة، ولا كتاب لهم، فكانوا في آخر الترتيب.

أما في آية الحج:

" ان الذين امنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ... "

فكان الترتيب حسب وجودهم الزمني بصرف النظر عن الكتب وترتيبها الزمني إذ كان أكثر من نصف المذكورين ممن لا كتب لهم وهم: الصابئون والمجوس والذين أشركوا، ثلاث طوائف، وأهل الكتاب طائفتان، فلما كان الأمر كذلك رتبوا بالأزمنة، (الذين آمنوا) بالكتب القديمة كصحف إبراهيم ـ (والذين هادوا) (والصابئين) (والنصارى) (والمجوس) (والذين أشركوا)، وهنا نجد مجيء (الذين أشركوا) في آخر الترتيب وإن وجدوا منذ القدم؛ لأن ظاهرة الاعتراف بالله مع جعل شركاء له لم تنتشر على نطاق واسع إلا في زمن محمد عليه الصلاة والسلام، أما الأمم السابقة فالغالب إما الإيمان وإما إنكار وجود الله،.إذاً، فالترتيب هنا زماني محض.

أما في آية المائدة:

"إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من أمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ... "

فقد تجلى الإعجاز اللغوي، حيث جمعت الآية بين الترتيب الزمني، والترتيب حسب الكتب بطريقة بلاغية غاية في الدقة، فلنتأمل كيف كان ذلك الجمع بين الترتيبين ..

1ـ على الترتيب الزمني:

الذين آمنوا ـ الذين هادوا ـ الصابئون ـ النصارى.

نلاحظ هنا أن الترتيب اللفظي للفئات الأربع يتفق مع ترتيب وجودهم الزمني.

2ـ الترتيب حسب نزول الكتب:

يقتضي الترتيب حسب الكتب أن يتقدم النصارى على (الصابئون) لأن الصابئين لا كتاب لهم، ولكن الترتيب الزمني يقتضي تقدم (الصابئون) لأنهم كانوا قبل عيسى عليه السلام، وللجمع بين الترتيبين رفعت (الصابئون) مع نية التأخير، وكأنه قال بعدما أتى بخبر (إن الذين آمنوا والذين هادوا) (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .. كأنه قال: (والصابئون هذا حالهم أيضا).

إذاً .. (الصابئون) تقدمت في اللفظ لتوافق الترتيب الزمني المحض، وتأخرت في النية لتوافق الترتيب حسب الكتب المنزلة، والرفع قرينة تشير إلى التأخير نية، وهذا سبب بلاغي آخر يضاف إلى ما ذكرته لابن عاشورفي سبب رفع (الصابئون).

تمت الاستفادة مما ذكره الخطيب الإسكافي في (درة التنزيل وغرة التأويل) في هذه المشاركة.

والله أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير