تزيد عن مائة، قال لها: السلام عليك يا أمي و رحمة الله و بركاته؛ قالت: وعليك السلام يا عبد الله؛ ما الذي أقدمك في هذه الساعة، و الصخور التي تقذفها منجنيقات الحجاج على جنودك في الحرم تهز دور مكة هزاً؛ قال جئت لأستشيرك؛ قالت تستشيرني في ماذا؟ قال: لقد خذلني الناس؛ و انحازوا عني رهبة من الحجاج، أو رغبة بما عنده، حتى أولادي وأهلي انفضوا عني، ولم يبق معي إلا نفر قليل من رجالي، وهم مهما عظم جلدهم فلن يصبروا إلا ساعة أو ساعتين، فقد رأى النهاية المفجعة؛ رأى أنه لا بد أن يُهزَم، لأنه ليس ثمة تكافؤ؛ دولة بني أمية ألقتْ بكل ما عندها من قوة لإنهاء هذه الخلافة التي ظهرت إلى جانب خلافة يزيد؛ ورسلُ بني أمية يفاوضونني على أن يعطوني ما شئت من الدنيا؛ يبدو أنه كان أصلح من يزيد؛ ولما جمع معاوية رضي الله عنه وجهاء القوم ليأخذ البيعة لابنه يزيد تكلم الجميع، فأثنوا على يزيد إلا الأحنف بن قيس بقي ساكتاً، فأربك بسكوته المجلس، فقال معاوية: يا أحنف، لمْ تقل شيئاً؛ فقال: أخاف الله إنْ كذبت، وأخافكم إن صدقت؛ فكان تلميحاً أبلغ من تصريح.
على كلٍّ، ورسلُ بني أمية يفاوضونني على أن يعطوني ما شئت من الدنيا، إذا أنا ألقيت السلاح، وبايعت عبد الملك بن مروان؛ فما ترين من رأي؟ أن ألقي السلاح، وآخذ من الدنيا ما شئت، وجلُّ أصحابي انفضوا عني، حتى أهلي، و لم يبق معي إلا نفر قليل، فالأمر عصيب، إذاً ألقي السلاح، وآخذ من المال ما شئت، وتنتهي الحرب؛ فماذا تتوقعون مِن أمٍّ يأتيها ابنها بين خيارَيْن صعبَيْن؛ الأول أن يموت؛ و الثاني أن يبقى حياً، على يصبح غنياً، ويدع هذا الأمر؛ فقالت له:
الشأن شأنك يا عبد الله؛ أنت أعلم بنفسك؛ فإن كنت تعتقد أنك على حق، وتدعو إلى حق فاصبر، وجالدْ كما صبر أصحابك الذين قتلوا تحت رايتك؛ فهل هي قضيةُ مزاح؛ لا، إنها حق أو باطل، وليس من مساومة على الحق؛ و إن كنت إنما أردت الدنيا بهذه الخلافة فلبئس العبد أنت؛ أهلكت نفسك، وأهلكت رجالك،قال لها: ولكني مقتول اليوم لا محالة؛ وأنا على حق، وأردت الحق، وإن فعلت كما تريدين فأنا مقتول لا محالة؛ قالت: ذلك خير لك من أن تسلم نفسك للحجاج مختاراً، فيلعب برأسك غلمان بني أمية؛ موتك أشرف لك ألف مرة من أن تستسلم؛ قال: لست أخشى القتل، وإنما أخاف أن يمثلوا بي؛ قالت: ليس بعد القتل ما يخافه المرء فإنّ الشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ!
عن موقع موسوعة د. النابلسي
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[26 - 01 - 2009, 12:32 م]ـ
بوركت أخي الكريم محمد سعد على تشجيعك والذي أجد فيه الحافز على تقديم المفيد.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[26 - 01 - 2009, 12:38 م]ـ
- أم الشهداء "سعاد جود الله" ابنة نابلس، استشهدت بكمين مسلح ودفنت مبتسمةً رافعةً سبابتها إلى جوار ابنها الشهيد بإذن الله.
- لم تكن الشهيدة سعاد تعلم وهي تودع ابنها الشهيد أحمد أن فراقه لن يدوم طويلا وبأن ثلاثة أشهر فقط هي مدة الألم ولوعة الفراق…
كان أحب أبناء الشهيدة سعاد الى قلبها ابنها الشهيد أحمد حيث كان يتودد إليها بالرفق والحنان والملاطفة، وكان يقول لها دائمًا بأنه لن يمكث في هذه الدنيا طويلاً، فتجيبه الأم المؤمنة المجاهدة:
إني قد وهبتك لله تعالى، وكانت توصيه قائلة: بالله عليك يا أحمد لا تمت إلا ميتة مشرّفة، لا أريد أن أسمع أنك استشهدت أثناء تحضير عبوة ناسفة أو برصاصة طائشة، أريدك أن تموت وأنت تواجه المحتلين، وقد تم له ذلك فقضى وهو يقاوم ..
وعندما وصلت الأخبار تباعًا لتؤكد نبأ استشهاد ابنها أحمد، بكت شهيدتنا بكاء شديدًا على فراق ابنها الحبيب وكانت تقول: لقد ذهب الغالي، وقد اشتد ألمها وحزنها لفراقه وكم كانت متلهفة لرؤيته ولو في المنام ويروي أبناؤها أنها كانت تقول بعد استشهاد أحمد: إن أحمد مشغولٌ عني لا يزورني في المنام.