تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من دلائل النبوة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 02 - 2009, 09:17 م]ـ

سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

معجزة تكفي بمفردها للدلالة على صدق رسالته الخاتمة، كما أشار إلى ذلك ابن حزم، رحمه الله، بقوله: "فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة وتشهد له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صلى الله عليه وسلم لكفى وذلك أنه عليه السلام نشأ كما قلنا في بلاد الجهل لا يقرأ ولا يكتب ولا خرج عن تلك البلاد قط إلا خرجتين إحداهما إلى الشام وهو صبي مع عمه إلى أول أرض الشام ورجع والأخرى أيضاً إلى أول الشام ولم يطل بها البقاء ولا فارق قومه قط ثم أوطأه الله تعالى رقاب العرب كلها فلم تتغير نفسه ولا حالت سيرته إلى أن مات ودرعه مرهونة في شعير لقوت أهله أصواع ليست بالكثيرة ولم يبت قط في ملكه دينار ولا درهم وكان يأكل على الأرض ما وجد ويخصف نعله بيده ويرقع ثوبه ويؤثر على نفسه وقتل رجل من أفاضل أصحابه مثل فقده يهد عسكراً قتل بين أظهر أعدائه من اليهود فلم يتسبب إلى أذى أعدائه بذلك إذ لم يوجب الله تعالى له ذلك ولا توصل بذلك إلى دمائهم ولا إلى ذم واحد منهم ولا إلى أموالهم بل فداه من عند نفسه بمائة ناقة وهو في تلك الحال محتاج إلى بعير واحد يتقوى به وهذا أمر لا تسمح به نفس ملك من ملوك الأرض وأهل الدنيا من أصحاب بيوت الأموال بوجه من الوجوه ولا يقتضي هذا أيضاً ظاهر السيرة والسياسة فصح يقيناً بلا شك أنه إنما كان متبعاً ما أمر به ربه عز وجل كان ذلك مضراً به في دنياه غاية الإضرار أو كان غير مضر به وهذا عجب لمن تدبره ثم حضرته المنية وأيقن بالموت وله عم أخو أبيه هو أحب الناس إليه وابن عم هو من أخص الناس به وهو أيضاً زوج ابنته التي لا ولد له غيرها وله منها ابنان ذكران وكلا الرجلين المذكورين عمه وابن عمه عنده من الفضل والدين والسياسة في الدنيا والبأس والحلم وخلال الخير ما كان كل واحد منهما حقيقاً بسياسة العالم كله فلم يحابهما وهما من أشد الناس غناءً عنه ومحبة فيه وهو من أحب الناس فيهما إذ كان غيرهما متقدماً لهما في الفضل وإن كانا بعيد النسب منه بل فوض الأمر إليه قاصداً إلى الحق واتباع ما أمر به ولم يورث ورثته ابنته ونساءه وعمه فلساً فما فوقه وهم كلهم أحب الناس إليه وأطوعهم له وهذه أمور لمن تأملها كافية مغنية في أنه إنما تصرف بأمر الله تعالى له لا بسياسة ولا بهوى". اهـ بتصرف.

فلو لم يكن له إلا سيرته التي اطلع الموافق والمخالف على أدق تفاصيلها لكفاه ذلك دليلا على صدق دعواه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن دعوى النبوة دعوى جليلة، لا يدعيها إلا أحد رجلين:

إما أصدق الناس فيكون مؤيدا بالآيات الكونية والشرعية البينة التي تقوم بها الحجة الرسالية، وتدحض بها شبه الخصوم والمشككين من أعداء الرسل عليهم الصلاة والسلام.

وإما أكذب الناس، فإن حصل له نوع تمكين في أول أمره فتنة لتابعيه، كما وقع لمسيلمة الكذاب والأسود العنسي والحارث الدمشقي وحديثا: القادياني، فإن مآله إلى افتضاح، رحمة من الله، عز وجل، بعباده أن يمكن لكاذب مضلل، فيؤيده بالآيات تأييد الصادق الهادي، فلا تقوم الحجة على البشر لجواز تأييد الكاذب مطلقا.

يقول ابن أبي العز رحمه الله:

"فَإِنَّ النُّبُوَّةَ إِنَّمَا يَدَّعِيهَا أَصْدَقُ الصَّادِقِينَ أَوْ أَكْذَبُ الْكَاذِبِينَ، وَلَا يَلْتَبِسُ هَذَا بِهَذَا إِلَّا عَلَى أَجْهَلِ الْجَاهِلِينَ. بَلْ قَرَائِنُ أَحْوَالِهِمَا تُعْرِبُ عَنْهُمَا، وَتُعَرِّفُ بِهِمَا، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ فِيمَا دُونَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ، فَكَيْفَ بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ؟ وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ حَسَّانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنَةٌ ******* كَانَتْ بَدِيهَتُهُ تَأْتِيكَ بِالْخَبَرِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير