تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين)

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 02 - 2009, 07:48 ص]ـ

من الشبه اللغوية الضعيفة:

ما قيل في قوله تعالى: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)

فقد استشكل بعض المشككين ممن أصابت العجمة لسانه، أو كان أعجميا ابتداء، فنقل عنه الثاني من باب: "سرقة الشبهات" المتداولة، وهو أمر مطرد في مسالك الضالين المضلين، فيتمسك بأهداب المتشابه، أو يخترع التشابه، ولا تشابه أصلا، في مقابل الإعراض التام عن المحكمات.

ووجه الإشكال أن العهد أمر يُنال، فيقال: نال فلان عهدا من فلان، بمعنى حصل عليه، فوفقا لهذا المعنى يلزم رفع: "الظالمين" في الآية، إذ هم الذين نسب إليهم انتفاء الحصول على العهد لوصف الظلم الذي اتصفوا به فصاروا غير أهل لعهد الله عز وجل.

والجواب:

أن الفاعل هو: "عهدي"، لا: "الظالمين"، لأن نال هنا بمعنى: "وصل"، أي: لا يصل عهدي الظالمين، فـ: "الظالمين": مفعول به، لا فاعل.

فالمراد هنا أن العهد لا يَنال، بفتح الياء الظالمين، لا أن العهد لا يُنال بهم، فالمادة من وصول الشيء إلى شيء، لا حصول الآخر عليه.

وفي المحيط:

http://lexicons.ajeeb.com/openme.asp?fileurl=/html/1091783.html

ومحل الشاهد أنها من: نال الشيء فلانا، (لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا ولاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَقْوَى مِنْكُمْ)، أي لن تصل لحومها إلى الله عز وجل.

فهي غير "نال" في نحو: نال فلان الجائزة، أي: حصل عليها، فالمعنى مختلف وإن اتحد اللفظ، فـ "نال الجائزة" من: نال نولا، و "لا ينال عهدي الظالمين" من: نال نيلا.

وهذا غير مستغرب في لغة العرب، بل إن اللفظ الواحد قد يدل على المعنى وضده، كما في:

"القرء" فهو يأتي بمعنى: الطهر وضده بل ونقيضه: الحيض.

و: "عسعس" فهو يأتي بمعنى: أقبل وأدبر.

و: "دان" فهو يأتي بمعنى: العز والذل.

يقول القرطبي رحمه الله: "قال ثعلب: دان الرجل إذا أطاع، ودان إذا عصى، ودان إذا عز، ودان إذا ذل، ودان إذا قهر، فهو من الأضداد". اهـ

بتصرف من "الجامع لأحكام القرآن"، (1/ 153).

و: "جلل" فهو يأتي بمعنى الجليل والحقير.

و: "عفى": قال أبو عبيد القاسم بن سلام، رحمه الله، في "غريب الحديث": "قال الله تبارك وتعالى "حتى عفوا" يعني كثروا، ويقال في غير هذا قد عفا الشيء إذا درس وانمحا قال لبيد:

عفت الديار محلها فمقامها ******* بمنى تأبد غولها فرجامها". اهـ

و: "القفو" فهو يأتي بمعنى: الإكرام والإهانة.

"الجامع لأحكام القرآن"، (2/ 22).

و: "وراء": فهي تأتي بمعنى خلف وبمعنى قدام.

يقول القرطبي رحمه الله:

"قال الجوهري: وراء بمعنى خلف، وقد تكون بمعنى قدام. وهي من الأضداد". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (2/ 27).

و: "مقو" فإنه يأتي بمعنى: الفقير لخلوه من المال، ومنه قوله تعالى: (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ)، فهم الذين صاروا في القواء الخالي أو القفر، ويأتي بمعنى: الغني لقوته على ما يريده، من التقوي على الشيء، كما ذكر ذلك قطرب رحمه الله.

و: "شطر"، فيقال: شطر إلى كذا، إذا أقبل عليه، و: شطر عنه، إذا أدبر عنه.

يقول القرطبي رحمه الله:

"وشطر الشيء: نصفه، ومنه الحديث: (الطهور شطر الإيمان).

ويكون من الأضداد، يقال: شطر إلى كذا إذا أقبل نحوه، وشطر عن كذا إذا أبعد منه وأعرض عنه". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (2/ 141).

ومنه: "رغب"، فيقال: رغب في: إذا أقبل على الشيء، ورغب عنه: إذا أدبر عنه.

و: "المفازة": فهي تطلق على المفازة الحقيقية وعلى الصحراء المهلكة من باب التيامن والتفاؤل باجتيازها.

و: "السليم": فهو يطلق على السليم حقيقة وعلى اللديغ من باب التيامن والتفاؤل بشفائه أيضا.

و: "الصديق": فهو يطلق على الصديق حقيقة وعلى العدو في نحو:

فلو أنك في يوم الرخاء سألتني ******* طلاقك لم أبخل وأنت صديق

على أحد التخريجات التي ذكرها الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، رحمه الله، في "منحة الجليل".

و: "رس" فهو فعل يأتي بمعنى الإصلاح والإفساد.

يقول القرطبي رحمه الله:

"و الرس: الإصلاح بين الناس، والإفساد أيضا وقد رسست بينهم، فهو من الأضداد". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (13/ 29).

و فعل "آلو":

يقول ابن دقيق العيد رحمه الله: "وقد قيل: إن الألو يكون بمعنى التقصير وبمعنى الاستطاعة معا والسياق يرشد إلى المراد". اهـ

وهذا باب واسع في لغة العرب، والغرض منه الاستشهاد به على اطراد استعمال مادة لغوية واحدة في أكثر من معنى على سبيل الاشتراك اللفظي فيقع التباين الكامل بين المعنيين، أو: الاشتراك المعنوي في المعنى الأصلي دون الفرعي.

فلا يستغرب استعمال مادة: "نال" في المعنيين المتقدمين والسياق هو القيد الفارق الذي يحدد المعنى المراد.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير