[على هامش المعرض .. قراءة في مسألة الانفتاح]
ـ[أبو العلاء الشافعي]ــــــــ[10 - 03 - 2009, 02:22 م]ـ
[على هامش المعرض .. قراءة في مسألة الانفتاح]
إدريس أبو الحسن
الموضوع مقتبس من (الألوكة). ( http://www.alukah.net/articles/1/5356.aspx)
مفهوم الانفِتاح مرتبط في العُمق بمفهوم الحرِّيَّة، فهو شكلٌ من أشْكالِها على مستوى العلاقات، والحرِّيَّة هي ظاهرة إنسانيَّة اجتِماعيَّة تَخضع للعديد من المعايير، في تعريفِها وحدِّها ومجالاتِها وكلِّ ما يرتبِط بها، وباختِصار هي مفهوم مطَّاطي يتَّسع وينكمش تبعًا للرُّؤى والفلسفات التي تختلف في تعريفها، وهي التي تمثِّل المدارس المختلفة في العلوم الإنسانيَّة.
لكن مع الاختلاف في إيجاد تعريف للحريَّة، هناك اتِّفاق عام يَجمع كلَّ تلك المدارس، مفادُه: أنَّه لا يمكن أن تكونَ هناك حريَّة مطلقة للإنسان، وهذا الاتِّفاق سببُه ارتباط الإنسان الاجتِماعي، والذي يترتَّب عليْه الحاجة إلى إيجاد أرضيَّة فيها حدودٌ دنيا للحِفاظ على الحقوق الفرْدِيَّة والجماعيَّة على السَّواء، وهُو ما يعني "التقْييد"، وإلغاء "مفهوم الحريَّة المطلقة" على مستوى "الفرد"؛ لصالِح الحفاظ على "حقوق الكل"، وكذلك "التَّقييد" على مستوى "الكل"؛ للحفاظ على حقوق "الفرد"، فالاتِّفاق الجماعي مثلاً على قوانينَ ومواثيقَ محدَّدةٍ للمُعاملات هي قيدٌ للحريَّة الفرْديَّة، وكذلك الإيمان الجماعي بعقيدةٍ معيَّنة.
وبغض النظر عن التَّحليل النَّظَري لاستِحالة الحريَّة المطلقة أو "الانفتاح المطلق"، فالاتِّفاق العملي على وجود حدودٍ للانفِتاح بما يتَّفق مع الثَّوابِت العقديَّة والثقافيَّة والقانونيَّة للشعوب - حاصلٌ على مرِّ التَّاريخ إلى يومِنا هذا، حتى قبل وجود الفلسفات والنظريَّات التي تطرَّقتْ لهذا الموضوع.
فالحريَّة والتَّقييد مدارُهما إذًا على التَّشريع الإسلامي، أو القانون الوضْعي، أو ميثاقٍ متَّفق عليه، أو أي شكْلٍ من أشْكال التَّقْنِين، وهو ما يعنِي أنَّ الإنسانَ الحرَّ (المنفتح) مقيَّد بتشريع يضبط سلوكه: منعًا وتوجيهًا وترخيصًا وإذنًا، ويُمكن أن نطلق على هذا الشَّكل من التأصيل: التَّكليف، كما هو في الاصْطلاح الفِقْهي.
والحضارات جميعها تقوم على أساس "التشريع" الذي ينبثق منْه التَّكليف لكل فردٍ ينتمي لتلك الحضارات، فالإنسان في كلِّ الحضارات - على أقلِّ تقدير - مكلَّف بضبْطِ سلوكِه وَفْقَ قانون يَخدم الحقوق الجماعيَّة في النَّسق الاجتِماعي العام، وقد يُضاف إلى ذلك تكاليفُ فرْديَّة أخرى تتعلَّق بالجانب العقدي الإيماني (كالصلاة والزَّكاة والصيام) كما هو الشَّأن في الأدْيان السَّماوية السَّابقة، وخاتمها الإسلام.
فالانفتاح الذي هو شكل من أشْكال الحريَّة إذًا هو سلوك إنساني مؤطَّر في أقلِّ أحواله بتكليفٍ تفرضه الطَّبيعة الاجتِماعية للحياة البشريَّة، ومؤطر في عامَّة أحوالِه بالقناعات الفكريَّة والثَّوابت الدينيَّة والعقديَّة، وهذا ما يُطْلَق عليه: "الانفتاح الحضاري"؛ أي: المَحْكوم بالنُّظُم والقناعات التي تُمثِّل معيارًا للحضارة في نظر أصحابِها.
هذا من حيث التحليلُ العامُّ لمسألة الانفِتاح، على ضوْءِ مقرَّرات العلوم الإنسانيَّة، وتبقى مسألة الانفِتاح في الإسلام تَخضع للمعايير نفسِها على ضوء التَّشريع الإسلامي، فيكون حكمُه تبعًا لمقصوده، وقُلْ فيه ما تقول في النكاح؛ تَجري عليْه الأحكام التَّكليفيَّة الخمسة: الوجوب والتَّحريم والكراهة والإباحة والاستِحْباب.
وإذا أسقطْنا هذا المفهوم – الانفتاح - على معرِض الرياض الدولي للِكتاب، وتتبَّعْنا رؤية مَن يقول بضرورة (إلغاء الرِّقابة)، و (المصادرة)، و (المنع) لكُتب (الآخرين)؛ إعمالاً لمبدأ (الانفتاح) - فسنجد في هذه الدَّعوة (المتمرِّدة) إلغاءً سافرًا لمفهوم (الحضارة)، بتسنين مبدأِ إلْغاء مفهوم "التَّشريع" من المجتمع السُّعودي برمَّته، على اعتبار أنَّه لا يمكن تصوُّر وجود مُجتمع متحضِّر مفتقر إلى التَّشريع، سواءٌ على مستوى التَّنظير أم التنفيذ.
¥