من قوله تعالى: (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 03 - 2009, 08:43 ص]ـ
من قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ)
وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)
فظاهرها إثبات حدوث العلم لله، عز وجل، بعد أن لم يكن، وهو ما قد يتعارض بادي الرأي مع قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)
والجواب من وجهين:
الأول: أن العلم علمان: علم أزلي محيط، فقد علم الله، عز وجل، قبل خلق الخلق ما هم عاملون، وإلى أين هم صائرون، وذلك علم في الخلق معدوم، كما قرر أهل العلم كالطحاوي، رحمه الله، إذ لم يطلع الله، عز وجل، أحدا على عمله ومصيره، وإنما الخلق ميسرون إلى ما خلقوا له، فمن خلق للسعادة يسر الله، عز وجل، له أسبابها فضلا، ومن خلق للشقاوة يسر الله، عز وجل، له أسبابها عدلا، وكل يفعل بإرادة مؤثرة لا استقلال لها، ولا خروج عن الإرادة الكونية النافذة، فالعباد لا يخرجون عن إرادته عز وجل الكونية، وإن خرجوا عن إرادته الشرعية بترك المأمور وفعل المحظور، فما خرجوا عند التحقيق إلا بمقتضى إرادته الكونية، فما خالفوا أمر الشرع إلا بجريان أمر القدر النافذ فيهم عدلا بالخذلان، وما أطاع غيرهم الشرع إلا بجريان القدر النافذ فيهم، أيضا، ولكن فضلا بالتوفيق، فمعنى القدر ينقسم إلى: خير وشر، يتعلق إيجادهما بإرادته، عز وجل، وإرادته من فعله، وفعله كله خير إما لذاته أو لغيره، فالشر ينسب إلى المقدور وصفا لا إلى القدير الذي ينسب إليه خلقا وإيجادا، فالشر ليس إليه شرعا، وإن شاء وقوعه كونا لحكمة باهرة تفوق مفسدة وقوعه بالقدرة القاهرة، فالنظر إلى الفعل باعتبار الحال: نظر إلى القدرة الكونية القاهرة، والنظر إليه باعتبار المآل: نظر إلى الحكمة الربانية الباهرة، وكم من بداية محرقة ولدت نهاية مشرقة.
وهذا العلم السابق: لا يتعلق به ثواب أو عقاب، فالمعلوم معدوم لما يقع فإذا وقع وفق المشيئة الإلهية النافذة تعلق به: العلم الثاني وهو: علم الظهور والانكشاف لتقوم به الحجة على العباد فبه يتعلق الثواب والعقاب، وهو العلم المراد في تلك الآيات.
والأولى بالعباد أن يشتغلوا بتحصيل علم الشريعة الموجود لا علم الغيب المعدوم، فقد خلقك الله، عز وجل، لأمر أراده منك، وهو مقتضى العلم الموجود، وأمر أراده بك، وهو علم الغيب المعدوم، فأظهر الأول وأخفى الثاني، فالأولى لكل عاقل أن يشتغل بما أريد منه من العلم الظاهر، فيمتثل خبره تصديقا وأمره فعلا ونهيه تركا، وأن يكف عن طلب ما أريد به من العلم الخفي، إذ لو أراد الله، عز وجل، منك علمه لأظهره لك، فالتكليف لا يكون بمجهول، فلما حجب علمه عنك، علم أنه ما كلفك تحصيله، فلا تشغل نفسك بتحصيل ما لم تؤمر بتحصيله فيفوتك تحصيل ما أمرت بتحصيله.
ويقال أيضا:
تعلق العلم بالكائن أزلا، وهو عدم لما يوجد بعد، غير تعلقه به واقعا، وقد وجد، فصحت القسمة الثنائية من هذا الوجه: علم أزلي يتعلق بكل الموجودات قبل كينونتها، وعلم حادث الأفراد يتعلق بالموجودات بعد كينونتها.
والله أعلى وأعلم.
ـ[أنوار]ــــــــ[15 - 03 - 2009, 07:28 ص]ـ
جزاكم الله خيراً أستاذنا الكريم ..
وهذه الوقفات القيمة ... جعلت في موازينكم ..