تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك رؤية تاريخية]

ـ[صاحبة القلم]ــــــــ[09 - 03 - 2009, 09:33 م]ـ

المسجد الأقصى ومدينة القدس في الرؤية الإسلامية والتاريخية

د. مصطفى عطية جمعة

يشير المعني اللغوي للفظة "الأقصى" إلى دلالة البعد، فأقصى الشيء أي أبعده [1]، وقد سمي بذلك لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام بمكة المكرمة، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض، ويُعَظّم بالزيارة [2]، وقيل: لأنه أبعد المساجد عامة التي تزار، ويبتغى بها الأجر، وقيل: لأنه ليس وراءه موضع عبادة، وقيل: لبعده عن الأقذار والخبائث، وقيل: لأنه وسط الدنيا لا يزيد شيئا ولا ينقص [3].

وهذه التسمية للمسجد الأقصى واردة في كتاب الله تعالى، في مطلع سورة الإسراء، قال المولى جل شأنه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]. وقد استهلت الآية الكريمة بلفظة "سبحان" التي تعني: التنزيه والبراءة لله عز وجل من كل نقص، فهذا ذكر عظيم لله تعالى لا يصلح لغيره [4]. وهذه دلالة عامة، ويضيف الإمام الطبري –رحمه الله– في تفسيره المزيدَ حول دلالتها بكونها "تنزيها للذي أسرى بعبده له مما يقول فيه المشركون من أن له من خلقه شريكا وأن له صاحبة وولدًا ... " [5]، كما أن نعت الرسول صلى الله عليه وسلم باللفظ القرآني "بعبده" شرف عظيم للنبي الكريم، وقال العلماء: لو كان للنبي صلى الله عليه وسلم اسم أشرف منه لسمّاه به في تلك الحالة العلية. قال القشيري: لما رفعه الله تعالى إلى حضرته السنية، وأرقاه فوق الكواكب العلوية، ألزمه اسم العبودية، تواضعًا للأمة [6].

وتثبت هذه الآية الكريمة مكانة المسجد الأقصى السامية؛ فقد كان مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم في حادثة الإسراء والمعراج. وقد جاء في تفسير الآية ما موجزه: إن الله تعالى أسرى بعبده من المسجد الحرام، وقيل من مكة كلها بوصفها حرمًا، وقد حمله الله تعالى على البراق، حتى أتاه به، وصلى هناك بمن صلى من الأنبياء والرسل ثم عرج به إلى السماء. ويشير التعبير القرآني {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} إلى أن الله تعالى جعل البركة لسكان ما حول المسجد الأقصى في معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم [7] وقيل: بالثمار ومجاري المياه، وقيل: بمن دفن حوله من الأنبياء والصالحين وبهذا جعله مقدسا [8]. وفي قوله تعالى: {لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا} فإن هذا من تلوين الخطاب والآيات التي أراه الله من العجائب التي أخبر بها الناس، وإسرائه من مكة إلى المسجد الأقصى في ليلة، وهو مسيرة شهر، وعروجه إلى السماء، ووصفه الأنبياء واحدًا واحدًا [9]، فالمسجد الأقصى موطن معجزة الإسراء، وشهدت أرضه خطو الرسول صلى الله عليه وسلم، وتنسّم ثراه عبق قدمي الرسول.

والقول الراجح عن علماء الأمة وثقاتها، وما ورد في الصحيح من الأحاديث الشريفة أن هذه الحادثة كانت بروح وجسد الرسول صلى الله عليه وسلم [10].

ويعلق على ذلك سيد قطب حيث يقول: "أمام القدرة الإلهية تتساوى جميع الأعمال التي تبدو في نظر الإنسان وبالقياس إلى قدرته وإلى تصوره، متفاوتة السهولة والصعوبة، حسب ما اعتاده وما رآه، والمعتاد المرئي في عالم البشر ليس هو الحكم في تقدير الأمور بالقياس إلى قدرة الله. أما طبيعة النبوة فهي اتصال بالملأ الأعلى على غير قياس أو عادة لبقية البشر، وهذه التجلية لمكان بعيد أو عالم بعيد، والوصول إليه بوسيلة معلومة أو مجهولة؛ ليست أغرب من الاتصال بالملأ الأعلى والتلقي عنه" [11].

يرسي هذا التعليق حقيقة راسخة؛ فليس هناك معجز على الله سبحانه، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى الوحي في أي وقت وأي مكان، فمن السهل إتمام هذه المعجزة، لتكون –مع غيرها من المعجزات– علامة على تفرّد النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء، وتتويجًا للإسلام خاتم الديانات والرسالات. فالحادثة تحمل في طياتها عشرات الدلالات التي تؤكد عظم مكانة الرسول محمد، وعظم رسالته السامية، الرسالة الخاتمة الشاملة. ويجدر بنا تقديم إطلالة موجزة على أحداث الإسراء، من أجل الوقوف على التشريف العظيم الذي ناله المسجد الأقصى في هذه الحادثة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير