تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أنواع البراهين]

ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 02 - 2009, 09:57 ص]ـ

يقسم النظار البراهين إلى ثلاثة أنواع:

الأول: البرهان العاطفي أو الوجداني: وهو البرهان الغريزي الذي يتعلق بقوى الشعور الداخلية من جوع وعطش، فتلك قوى باطنة تتعلق بالجسد، والفرح والحزن ........ إلخ، فتلك قوى باطنة تتعلق بالروح، والتداخل بينهما دقيق دقة التداخل بين الروح والبدن، فإن الفصل بينهما حال الحياة بحيث يصح تجريد جسد خالص وروح خالص أمر محال، لخفاء أمر الروح، مصداق قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، فالجوع وإن كان يقع على البدن الطيني الكثيف ابتداء، إلا أن الروح النورانية الخفيفة تتأثر به أيما تأثر فتجد الجائع مشتت الذهن، فاسد المزاج، سريع التهيج إذا هيج، والجوع بئس الضجيع، ومن دعائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ)، وقل مثل ذلك في المدركات المعنوية، فإنها، وإن كانت تطال الروح ابتداء، إلا أن للجسد منها نصيبا، فالحزن يذهل الجائع عن جوعه، وقل مثل ذلك في الفرح، فإن الفَرِحَ يتلهى هو الآخر بما فَرَحَه، وقد يصاب الحزين بأمراض عضوية تنال جسده الكثيف مع أن علته وجدانية، وقد يصح الجسد العليل بسرور طارئ، وتجد الرجلين أحدهمما: في سعة من عيش البدن، فغذاؤه شهي وكساؤه جديد، وفراشه وثير، والآخر: فقير غذاؤه لقيمات وكساؤه خلق وفراشه خشن، والأول: حزين جم بلابله، والثاني: سعيد منشرح الصدر مستجمع قوى الروح، فهو في سعادة لو علمها أبناء الملوك لجالدوه عليها بالسيوف، ولله في خلقه شؤون، وإنما سعد من سعد بانشراح الصدر بأنواع العلوم، وعمران الجوارح بأنواع الأعمال، وكلاهما لا يستمد إلا من مشكاة النبوة الأولى ففيها من العلوم والأعمال ما تصح به الأديان والأبدان.

وفي الدنيا تقع اللذات والآلام أول ما تقع على البدن والروح تبع لها، وفي البرزخ تقع على الروح ابتداء والبدن تبع له، وفي الآخرة تقع على كليهما، فلكل دار أحكامها كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله.

والثاني هو: البرهان العقلي: وهو المبني على مقدمات ضرورية يستنبط منها العقل قوانين كلية، فلا بد من مسلمة عقلية تشترك في إدراكها سائر العقول، ليبنى عليها ما بعدها، والنظريات الطبيعية والبراهين الرياضية خير شاهد على ذلك فإنها ترجع في أصولها إلى أمور اتفق عليها سائر العقلاء.

والثالث هو: البرهان الديني: وذلك إنما يكون في المسائل الخبرية التي لا يدركها العقل ابتداء، فهو معزول عن منصب البيان في الإلهيات، وإن أدرك أصولها إجمالا، فالرسالات تأتي بالبيان المفصل، والعقل الصريح يسلم للنقل الصحيح، فما أشكل عليه من أمور الغيب رده إلى عالمه، فمقام العقل من النبوة في الإلهيات: مقام التلميذ من الأستاذ، والعامي من العالم، بل هو أدنى، إذ التلميذ يتعلم والعامي يتفقه فيصير الأول أستاذا والثاني عالما، بينما العقل وإن بلغ من الكمال ما بلغ لا يصل إلى مرتبة النبوة، إلا على مذهب من يجوز اكتساب النبوة فهي عنده قوى علمية ونفسية وتأثيرية تكتسب بمعالجة أسبابها!!!، وذلك مذهب تغني حكاية مقالته عن إبطالها.

والشأن في البرهان الديني: ثبوت النبوة، فليس الشأن: رد أحكامها بمقاييس العقول المتفاوتة، إذ ليس العقل حكما على الوحي، وإنما الشأن هل مدعي النبوة: صادق ليتبع أو كاذب ليجتنب؟!!!، ولذلك كان تقرير النبوة وإقامة الدلائل على صحتها نوعا وعينا من أشرف مطالب الإلهيات، فهي الوسيلة لأشرف الغايات، غاية: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، ولا يستقل العقل بإدراك دقائق العبادات علوما وأعمالا، فلا بد من وحي قائد يصل بالعقل إلى بر الأمان، أمان: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ)، أمان: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير