تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[دور الكنيسة في انتشار العلمانية اللادينية]

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 02:18 م]ـ

كان دين الكنيسة من التحريف بحيث وقع الصراع بينه وبين العلوم التجريبية في بداية عصر النهضة الصناعية في أوروبا، بعد قرون من الهيمنة الكنسية على العقل الأوروبي، بنصوص محرفة، وزعامات متسلطة، احتكرت مصادر العلم وجردت الأمة من وسائل المعرفة، إذ لا يروج الباطل إلا في أمم جاهلة يسهل سوقها بالخرافات والأساطير وصكوك الغفران .......... إلخ، يقول برنتن:

"إن أكثر أصحاب الوظائف العلمية حتى في أوج العصور الوسطى كانوا ينتمون إلى نوع من أنواع المنظمات الدينية، وكانوا جزءاً من الكنيسة، حيث أن الكنيسة بدرجة لا نكاد نفهمها اليوم تتدخل في كل لون من ألوان النشاط البشري وتوجهها وبخاصة النشاط العقلي""وإذن فقد كان الرجال الذين يتلقون تعليمهم في الكنيسة يكادون يحتكرون الحياة العقلية، فكانت الكنيسة منصة المحاضرة والصحافة والنشر والمكتبة والمدرسة والكلية". اهـ

نقلا عن: "العلمانية"، ص147.

ووقعت الكنيسة في خطأ بالغ إذ تبنت الفلسفات الأرضية النظرية، لا سيما فلسفة أرسطو وبطليموس، فأنزلتها منزلة النص المقدس الذي لا يتطرق إليه خطأ أو شك، مع أنها فلسفات نظرية بحتة، قررتها عقول بشرية بلا مستند من وحي، فلم تضمن لها العصمة كأخبار وأحكام الرسالات، فصارت التسوية بين تلك النظريات البشرية والأخبار الإلهية تسوية بين مختلفين، فإن الطبيعيات تخضع لسلطان العقل التجريبي، وهو ما حدث بالفعل في عصر النهضة الصناعية، إذ امتلك الإنسان وسائل التجربة الاستقرائية، التي أثبتت بطلان كثير من النظريات الاستنباطية، فراجت أسهم المنهج الاستقرائي وكسدت أسهم المنهج الاستنباطي الذي اعتمدته الكنيسة اعتماد الوحي المنزل، وجدير بالذكر في هذا المقام أن المسلمين قد سبقوا مفكري الغرب إلى هدم بنيان الفلسفة اليونانية، ولعل ابن تيمية، رحمه الله، كان من رواد هذا العمل الجليل فقد أفرد كثيرا من أبحاثه لنقد المنطق اليوناني، بل أفرد لذلك مصنفا مستقلا، فضلا عن حربه الضروس التي خاضها ضد الفلاسفة الإسلاميين من أمثال الفارابي وابن سينا، الشاهد أنه كان لا بد من وقوع الصراع بين العقل الأوروبي والنقل الكنسي، لفساد النقل الذي لقحته الكنيسة برأي أرضي غير معصوم، فصار مزيجا غير متجانس من بقايا الوحي الإلهي المعصوم والرأي البشري الذي خضع للنقد والاستدراك.

وهذا بخلاف الإلهيات التي لا تتلقى إلا من الوحي، فلا دخل للعقل فيها إلا التسليم، فمتى صح النقل سلم العقل، إذ لا استقلال له بإدراك الإلهيات الغيبية تفصيلا، وإن أدركها جملة بما ركزه الباري، عز وجل، في القلوب من فطرة التوحيد، فتأتي الرسالات لتفصل مجملها وتقوم عِوجها، فالرسالة مكملة الفطرة، إذ هي الميثاق الثاني المتمم للميثاق الأول، فلا تعارض بينهما إذ كل من عند الله، عز وجل، كما أنه لا تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح، إذ منزل الأول هو خالق الثاني، فلا يتصور أن ينزل عليه باطلا يناقضه، فذلك من سوء الظن بالله عز وجل.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض درء التعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح:

"يجب الفرق بين ما يعلم العقل بطلانه وامتناعه وبين ما يعجز العقل عن تصوره ومعرفته.

فالأول: من محالات العقول، (كوصف الله، عز وجل، بالنقص، الذي وصفته به اليهود والنصارى فذلك محال لذاته بداهة، فلا يجيز العقل تصوره ابتداء ليجوز وقوعه، وإن أجازه على سبيل الفرض العقلي المحض كما تقدم).

والثاني: من محارات العقول والرسل يخبرون بالثاني، (كغالب أخبار الغيب التي لا يردها العقل ابتداء، فيتصور وقوعها، ولكنه لا يدرك حقائقها إذ لم يرها ولم ير نظيرا لها ولم يأته خبر صادق عنها) ..................... فيجب أن يعلم أن الحق لا ينقض بعضه بعضا بل يصدق بعضه بعضا.

بخلاف الباطل فإنه مختلف متناقض كما قال تعالى: في المخالفين للرسل: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ}.

وأن: ما علم بمعقول صريح لا يخالفه قط لا خبر صحيح ولا حس صحيح.

وكذلك: ما علم بالسمع الصحيح لا يعارضه عقل ولا حس.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير