تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حملنا حقائبنا وتوجهنا إلى موظف الاستقبال، وحين أبلغناه بأننا لا نستطيع الإقامة في هذا الفندق، غضب وأخذ يعلو صوته، لأننا بقينا فترة النصف الساعة تقريبا في الغرف، ولم ننزل على الفور حين لم يعجبنا المكان. قلت بأننا لم نتأكد بأن الأحوال سيئة هكذا إلا بعد هذا الوقت. وتركناه يصرخ ويغضب إلى أن هدأ ثم أخبرناه بأنه لا فائدة، ولا بد أن نغادر، ولن ندفع أي مبلغ لأننا لم نعرف بحالة الفندق حين أتينا، وأخيرا أعطانا جوازاتنا المحجوزة لدية.

أدخلت جواز سفري في حقيبة يد صغيرة حملتها معي، وخرجنا من الفندق نبحث عن سيارة أجرة لنبحث بعدها عن فندق آخر، أوقفنا سيارة أجرة ووضعنا حقائبنا في داخلها، ركبت بجانب السائق وجلس زميلي في المقعد الخلفي. وقبل أن يتحرك السائق شعرت بيد تمتد بسرعة إلى داخل السيارة من خلال النافذة المفتوحة وتنتزع حقيبة اليد الصغيرة التي معي. أحدهم أدخل يده مباشرة إلى السيارة وسرق الحقيبة وهرب. والحقيبة بها جواز السفر وتذكرة العودة وكل المال الذي استلمته من الوزارة لنفقات السفر، بالإضافة إلى محفظتي التي أستخدمها في البلاد، ولا أعرف لماذا أحضرتها معي، وبها البطاقة الشخصية ورخصة السياقة وبطاقة ائتمان وبعض الريالات الإضافية ربما مقدر أن يتم سرقتها أيضا.

في لحظات صارت حقيبتي حقيبته، وتخيلت السارق يجلس في زاوية بعيدة عن الأنظار يعد نقودي التي أصبحت نقوده في لمح البصر، لأكون المظلوم الخاسر ويكون الظالم الرابح، وأكون المسلوب الفاشل ويكون السالب الناجح، وأكون الغبي المخدوع ويكون الذكي الخادع، لأعود بضعفي وفشلي إلى دياري بعد عناء، ولم أستطع الاستسلام لهذا الوضع البائس رغم قسوته ولو كلفني حياتي. فتحركت القوى الكامنة في أعماق الذات والتي لا نعرف بوجودها إلا في حالات الشدة. فدفعت باب السيارة بسرعة، وركضت باتجاه السارق المجرم، أما زميلي والسائق فتجمدا في مكانيهما من هول المفاجأة، وأرى المجرم أمامي يركض سريعا وأنا خلفه وحقيبتي بحوزته وأصرخ عليه لألقي الذعر في قلبه، فيلقي حقيبتي دون فائدة. وهو يركض بقوة لا يتوقف في شوارع تلك البلاد، ثم صعد يركض على درجات سُلم في ميدان عام، كالميادين العامة في فرنسا وإيطاليا وأنا وراءه، وحين شعر بأني قاربت على اللحاق به، قفز من على الحواجز المثبتة بالجوانب، وقفزت خلفه، ثم أمسكت به ونزعت حقيبتي منه، في تلك الأثناء حاول أن يتخلص من قبضتي ليهرب دون جدوى، فاستل سكينا مخبئا في ملابسه وطعنني في صدري بقوة، فسقطت على الأرض وحقيبتي بيدي، وهرب المجرم مختفيا في شوارع تلك البلاد.

وبقيت لوحدي تسيل مني الدماء، وتهيأت أم هاشم العرافة من الغيب مطلة في الأفق وقالت: ألم أقل لك بأنك ستتعرض لطعنة سكين في بلد ليس ببلدك.

قلت: هل سأعيش؟! هل سأنجو؟!

واختفت أم هاشم دامعة ولم تجب.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير