تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإذا كانت مظاهرة المسلم الكافر على المسلم مما نص أهل العلم على كونه من أسباب الردة، فكيف بتسليم حرائر المسلمين إلى عباد الصلبان وهم أخبر الناس بقيمة العرض عند المسلمين فلا يجدون وسيلة للتشفي فينا أعظم من الاعتداء على أعراضنا حرقا لقلوبنا وكسرا لأنوفنا، وليس المقام: مقام تحرير أحكام على أعيان، فليس ذلك إلا للقضاة والحكام الشرعيين، ولكنه مقام تحرير عقود القلوب بمعرفة أسباب انحلالها، ولا يكون ذلك إلا بحل العقدة الأعظم: عقدة الولاء والبراء، عقدة: الحب في الله والبغض في الله، فإذا انحلت تلك العقدة، فما بعدها أيسر، إذ لو كان لأولئك الذين سلموها عقد قلبي راسخ ما خطر على بالهم أن يفعلوا ذلك ابتداء، ولكن العقود الإيمانية انحلت وحل محلها عقود المصالح الآنية العاجلة، والتوازنات الإقليمية، والدولارات التي باع بها الجنرال أبناء وحرائر المسلمين.

وفي برنامج السجين 345 الذي حكى فيه الأستاذ سامي الحاج، حفظه الله وسدده، تجربته في: "جوانتانامو"، ذكر طرفا من تلك الخيانات إذ كانت القوات التي سلمتهم إلى الأمريكيين قوات الجنرال المخلوع، ومن المفارقات أنهم كانوا يعتذرون إليهم في الطريق، لأنهم كما يقال عندنا في مصر: "عباد المأمور"!!!، فليس لهم ذنب وإنما هي أوامر من القيادة العليا، وما علينا إلا الامتثال: امتثال الحمير لركابها!!!، وهل تصلح هذه الحجة أمام رب العالمين، وإن كانوا صادقين راغبين في نجاة إخوانهم؟!!!، والحمد لله الذي عفانا مما ابتلاهم، فمن يدري ماذا كنا سنفعل لو كنا مكانهم، وفرضت علينا هذه الأوامر الجائرة؟

وليس من الفقه أن نتمنى الابتلاء أو نستجلبه تعاطفا مع إخواننا، بل أمرنا أن نسأل الله، عز وجل، السلامة، في الدين والدنيا، فإن الابتلاء فيهما أعظم ابتلاء، واستحضار القضاء الكوني حال العجز عن دفع المصيبة مما يهون على العبد ما نزل به، لا على طريقة أهل الجبر الباردة التي تحتج بالقضاء الكوني على إبطال الأمر الشرعي، وإنما يستحضر القضاء الكوني لدفعه بالسبب الشرعي ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، فإن عجزنا عن نصرة إخواننا بسيف الشرع، إذ لا سيف لأهل الإسلام يذبون به عن أعراضهم إلا مجموعات من المقاومة تنوب عن الأمة النائمة في بؤر الصراع كبلاد الأفغان والعراق والقفقاز وأخيرا غزة، وليتهم سلموا من ألسنتنا الطوال التي استحقت القطع من أصولها، إذا عجزنا عن ذلك فلا أقل من الدعاء لهم، فهو من أقوى الأسباب الشرعية التي يذهل كثير منا عنها تحت وطأة الصدمة الأولى.

وليس من الفقه أيضا: أن تستدرجنا العواطف غير المحكمة بلجام الشرع، إلى إيقاظ الفتن النائمة في بلاد المسلمين الآمنة، إذ الفتن عمياء تراق فيها الدماء، وتنتهك الحرمات بلا طائل، كما وقع في كثير من بلاد المسلمين في العصر الحاضر.

وفي نهاية المقال تساءل الدكتور محمد عن دور الحكومة الباكستانية الحالية في حماية مواطنيها والذب عنهم، وحكومة "زرداري" الديكتاتور الإسماعيلي المارق، ذي العقيدة الفاسدة والذمة المالية الخربة والأداء السياسي الهزيل الذي ضج منه الجيش الباكستاني مع مشاركته الفعالة في الحرب العالمية ضد الإرهاب، إذ يبدو أن سقف تنازلات زرداري قد فاق كل الحدود، ولا أدل على ذلك من استباحة القوات الأمريكية لمناطق القبائل الباكستانية في تعد صارخ على السيادة الباكستانية المهلهلة، هذه الحكومة الفاسدة لا تختلف كثيرا عن حكومة الجنرال المخلوع، بل ربما كانت أسوأ إذ جمعت الفساد من كل أطرافه: فساد عقدي، فساد سياسي، فساد مالي، فالرئيس: "سوابق" أو: "رد سجون" كما يقال عندنا في مصر، فساد عقلي: فهو مختل عقليا كما يقول المقربون منه، فأي خير يرتجى من زرداري، وأنى لمثله أن يغار على حرائر الموحدين؟!!.

وختم الدكتور محمد مقاله بقوله: "لك الله يا (عافية) " مشيرا إلى وفاة والدتها، رحمها الله، حزنا عليها، ومشيرا في ذات الوقت إلى التزام الدكتورة عافية، فك الله أسرها، بتعاليم الدين الإسلامي، رغم تخرجها في جامعة غربية، وهو أمر يثير حنق الغرب، إذ لا يستطيع بصليبيته المتأصلة أن يتحمل أي مظهر إسلامي من حجاب أو صلاة أو ........... إلخ، لا سيما في معاقله التي يغزوها الإسلام رغما عن أنفه.

ولا أقل من أن نتحرى ساعات الإجابة لندعو للدكتورة عافية، أن يفك الله أسرها، ويرد إليها عافيتها، ويجعل ذلك مكفرا لسيئاتها، وأن يجعلها من الزمرة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ)، على كلام في إسناد الحديث، وأن يغفر لوالدتها ويجعل ما عانته من فقد ابنتها سببا في دخولها الجنة بلا سابقة عذاب، وأن يقدر لها رجالا لا ذكورا ليثأروا لها بحد سيف الشريعة المعطل.

وتلك رسالة جديدة من جملة رسائل متكاثرة من الغرب النصراني إلى تجار الشنطة الثقافية، كما يسميهم أحد الفضلاء عندنا في مصر، الذين ارتضوا الاقتيات على فتات موائد الغرب، فباعوا أنفسهم بدولارات زهيدة مقابل استيراد مبادئ الحضارة الغربية: حضارة الإلحاد في ثوب النصرانية.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير