وإذا كانت صورة الانفِتاح هذه صورةً من صور (إلغاء العمل بالتشريع)، فيكون دعاتُه من "الليبراليين"، و"الحداثيين"، ومَن جرى مجراهم - أعداءً للحضارة، أو بتعبيرٍ أبْلغ: (غير حضاريين)؛ إذ إنه إذا جاز ألاَّ يكون على معرض الكتاب "رقابة "، و"منع"، و"مصادرة" - فلماذا الرِّقابة حاصلة على الموارد التِّجارية؛ لمنع المخدّرات والأسلحة والسّلع المغشوشة، وكذلك على المواقِع الإباحيَّة وغيرها على الإنترنت، إلى ما هنالك من الممنوعات؟! أليس منشأُ الرِّقابة والمنْع هنا هو إعمالَ التَّشريع القاضي بالحفاظ على الأمْن القومي والمصالح العُلْيا للمجتمع؟!
وهنا يجب التَّشديد في سؤال مَن يطالب بإلغاء تلك الرِّقابة عن المعرض؛ إعمالاً بمبدأ الانفتاح:
عن أي انفتاحٍ تتحدَّثون؟! وما هي حدود هذا الانفِتاح الذي تروِّجون له؟! هل السَّماح بعرض كتب تسبُّ الله ورسولَه من الانفِتاح الذي تقصدون؟! أم الكتب التي تدعو للإلْحاد البواح من الانفِتاح الذي تتطلَّعون إليه؟! هل السَّماح بعرْض الكتب التي تدعو إلى الانْحِلال الخُلُقي بكلِّ أشكاله هو الانفِتاح الذي ترغبونه؟!
إنَّ الأسئلة حول معنى الانفتاح في هذا الصَّدد تطول؛ ولكنَّ السؤال الجامع الذي يَجمعها هو: هل ترَوْن بضرورة الانفتاح وعرْض كل شيء، حتَّى لو كانت المعروضات في دعْوة واضحة لهدْم الثَّوابت الدينيَّة (المطلقة) التي يُجْمِع علماء المسلمين عليها؟!
إذا كان الجواب: لا، فما معنى أن تُعْرَض كتب الإلحاد؛ كمذكرات "كارل ماركس"، و"لينين"، وفيها الحِجاج الفلسفي والتَّحليل لمقولة: (لا إله والحياة مادة)، ومقولة: (الدين أفيون الشعوب)؛ أي: مخدِّر الشعوب، وزِدْ عليْها الكتُب المروِّجة للحلول والاتِّحاد، والتشيُّع والرَّفْض، والخروج والتَّطوُّر الدارويني والانْحِلال، وما إلى هنالك من أشْكال الكُفْرِ والبِدَع الكفريَّة الصريحة، وكلُّها تُعْرَض تَحتَ مسمًّى فلسفي، أو ثقافي، أو (فكر إسلامي)، أو حتَّى أدبي.
إنَّ الحديثَ هنا ليس عن كتُب تعريفيَّة أو تحليليَّة نقديَّة لتِلك المعروضات، إنَّ الحديث هنا عن كتُب "ترويجيَّة" دعائية تَهدف للتَّأطير والإقْناع، وتعمد إلى تشويه الثَّوابت الإسلاميَّة والقيم والأخلاق، ما يعني أنَّ نقْد عرض هذه الكتُب وما في حكمها ليس دعوةً إلى "القطيعة الإبيستيمولوجية" مع الآخَر، والصدِّ عن معرفة ما يدور في رأْسِه وفلسفتِه، وعقيدتِه وسياستِه، واقتصادِه وقناعاتِه كلِّها، وإنَّما هو دعوةٌ لرفضِ عرْضِ قناعاتِه بأسلوب دعائيٍّ، مشْحونٍ بالتلْبيس والكذِب والتَّدْليس، الَّذي لا يُميِّزُه إلاَّ القلَّة القليلة منْ روَّاد المعْرض.
وما من شكٍّ أنَّ إدارة معرض الكتاب تعي جيِّدًا أنَّ المعروضاتِ لا يُمكن أن تتجاوزَ سقْف النُّظم "التَّشريع"، مهما كانت دعوى الانفتاح.
ولذلك نَجد في لوائِحها ورقةً تحت مسمَّى: "مخالفات المعرض" التي لا يسمح بها، ومن ضمْنِها بندان مهمَّان ضمن المخالفات، وهما:
- عرض أو بيْع أيَّة مادَّة ثقافيَّة غير واردة في دليل المعرض.
- عرض أو بيع الكتُب والموادِّ الثَّقافية غير الُمجازَة من وزارة الثَّقافة والإعلام.
ولشرح هذين البندين يمكنكم زيارة (الألوكة) على هذا الرابط:
http://www.alukah.net/articles/1/5356.aspx