تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأخرج قاسم بنُ أصبغُ فى " مصنفه " (1) بسندٍ صحيح – كما قال الحافظ فى " الفتح " (1/ 301 – 302) عن عمر بن الخطاب قال: " فسادُ الدين إذا جاء العلمُ من قبل الصغير، استعصى عليه الكبيرُ، وصلاحُ الناس إذا جاء العلم من قِبَل الكبير، تابعه عليه الصغير ".

وأخرج ابن عبد البر فى " جامع العلم " (1/ 159) عن ابن مسعود قال:" إنكم لن تزالوا بخيرٍ ما دام العلم فى كباركم، فإذا كان العلم فى صغاركم سفَّه الصغير الكبير "، وجاء هذا المعنى عن غير واحد من الصحابة. وقد حدث ما توقَّعه هؤلاء الصحابة الكرام، وهاك بيان ذلك:

فلقد ظلَّ علم الحديث زماناً طويلاً علماً مرغوباً عنه لصعوبته، ولأنه يحتاج الى ملكةٍ لا تستقيم لصاحبها إلا بالدربة وإدمان النظر مع إمكان الوصول إلى الأسانيد التى هى روح هذا العلم، ومن المعلوم أن رأس مال المحدث هو الإسناد، وليس له ديوانٌ جامعٌ حافظٌ، بل هو مفرقٌ فى عشرات الألوف من الصحاح، والمسانيد، والمعاجم، والمشيخات، وكتب التواريخ، والأجزاء الحديثية وغير ذلك، ولو قدرنا أن رجلاً ملك هذا العدد من الكتب فلابد من تقريبه وفهرسته على أطراف الأحاديث حتى يتسنى له الانتفاع بها، وهذا جهد على جهد، قد يستغرق عمره كله أو أكثره، فمتى يحقق ويُخرِّجُ ويوفق بين الأقوال المتعارضة؟، ثم يسأل الدارس نفسه سؤالا: وماذا بعد هذا، فلا وظيفة ولا كَسْبَ، ولذلك أقبل الناس على دراسة الفقه، لأن دارسه يحصل وظيفةً، فيعمل مفتياً أو واعظاً أو مدرساً، أو إمام مسجدٍ، ونحو ذلك.

(1) وأخرجه ابن عبد البر فى " الجامع " (1055، 1056)، والخطيب فى " الفقيه" (782)

وأما دارس الحديث فلا ينتظره شىءٌ. وتستطيع أن تدرك هذا الأمر إذا نظرت إلى غالب المدارس التى بُنيتْ فى بلاد المسلمين قديما مثل مدرسة نظام الملك فى بغداد، فتجد عنايتهم كانت بعلم الكلام والفقه وأصوله. وأنت ترى هذا الإهمال لعلم الحديث واضحا جليا فى مناهج الأزهر، وهو امتداد للمدارس القديمة التى أشرتُ إليها، فلم نر فى عصرنا ولا قبله رجلا أزهريا نبغ فى علوم الحديث إلا الشيخ أبا الأشبال أحمد شاكر رحمه الله، ولم يكن نبوغُهُ بسبب دراسته فى الأزهر، بل بسبب توجُّهه الشخصى إلى هذا العلم.

وفى السنوات العشر الأخيرة حدثت نهضةٌ حديثيةٌ، من أهم سماتها طبع مئات الكتب المسندة والأجزاء الحديثية، بحيث يحق لى أن أزعم أنه طبع فى هذه السنوات العشر ما لم يطبع مثله فى مائة عامٍ مضت، وصحب ذلك نهضة أخرى فى تقريب هذه الكتب وهى عمل موسوعات لأطراف الأحاديث، فصار هذا العلم قريب المنال، سهل المأخذ لأى طالب حتى لو كان بليداً غبىًّ الذهن، أبعد الخلق من هذا العلم ‍‍‍‍‍‍‍!

وكان الأمر قبْل ثلاثين سنةً مختلفًا تمام الإختلاف عنه اليوم، وخذ مثلاً: فمسند الإمام أحمد رحمه الله مطبوعٌ فى ستة أجزاء كبارٍ، وبخطٍ دقيقٍ، وهو مرتبٌ على مسانيد الصحابة وليس على الأبواب، فلو أراد أفحلُ محدِّثٍ فى الدنيا – ولا يعتمد على حفظه – أن يتأكد من عزو حديث مَّا إلى " المسند " فإن هذا يكلفُهُ مراجعة مسند الصحابىِّ راوى الحديث وقد يكون من المكثرين مثلَ أبى هريرة وابن عمر وعائشة وغيرهم، فكم من الوقت ينفقُهُ ليتأكد من عزو حديثٍ واحدٍ إلى كتابٍ واحدٍ؟ وقد لا يظفرُ بطِلْبتَه بعد هذا المجهود ويكون الإمام أدرج الحديث فى مسند صحابىِّ آخر لغرضٍ طرأ

له، مثل اتحاد المتن، أو بيان الاختلاف فى سنده (1) أو نحو ذلك.

فلو أن هذا الحديث رواه أئمةٌ آخرون، ويريد المحدث أن ينظر فى ألفاظه، أو متابعات الرواة فكم من الوقت يحتاجه ليتم له ما يريد فى حديث واحدٍ؟ ‍‍!

ولذلك فرح المشتغلون بالحديث أيَّما فرح لما طُبع كتاب " مفتاح كنوز السنة " فكتب الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله مقدمة له، أذاع فيها اغتباطه بطبعه، وكان مما قاله (ص 8): " ولو وُجد بين يدىَّ مثل هذا المفتاح لسائر كتب الحديث، لوفر على أكثر من نصف عمرى الذى أنفقته فى المراجعة " ا هـ.

وقال الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر رحمه الله فى مقدمته لهذا الكتاب (ص 23 – 24) بعد أن ذكر بعض صعوبات الكشف فى الكتب عن الأحاديث قال: " وما لنا نضرب المثل بهما – يعنى: بمسند أحمد وطبقات

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير