ذكر الحافظ الذّهبي -رحمه الله- في ’’سير أعلام النبلاء‘‘ (9/ 504) عن أبي سعيد بن يونس قال: "مات [يعني إسحاق بن الفرات] في ثاني شهر ذي الحجة سنة أربع ومائتين."، ثم علّق قائلاً: ((وفيها [يعني تلك السنة] مات قبله الشافعيّ وأشهب بمصر، فمثل هؤلاء الثلاثة إذا خلت منهم مدينة في عامٍ واحدٍ فقد بان عليها النقصُ.)) [نقلاً عن مجلّة ’’منابر الهدى‘‘-الجزائر-، عدد (5)، ص81].
وكيف لا يظهر النقص؟، وقد رُزئت الأمّة الإسلاميّة في هذه السنوات القليلة بفقد ثُلّة طيبّةٍ من كبار العلماء وطلبة العلم، فإنّ لله.
ومما لا ريب أنّ الخير باقٍ في هذه الأمّة إلى يوم القيامة، ومثلُ هذه المصائب يجب أن تكون حافزاً وباعثاً لهمّة الشباب في طلب العلم، والجدّ والاجتهاد في تحصيله، قبل أن يذهب العلم بذهابِ أهلِه، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ((هل تدرون ما ذهاب العلم؟ قلنا: لا، قال: ذهاب العلماء)) رواه الدارمي-رحمه الله-.
وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: ((عليكم بالعلم قبل أن يُرفع ورفعه هلاك العلماء)) رواه الدارمي -رحمه الله-.
وقال علي -رضي الله عنه-: ((يموت العلم بموت حملته)) رواه الخطيب -رحمه الله- في ’’الفقيه والمتفقه‘‘.
وقال أبوالدرداء -رضي الله عنه-: ((ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهّالكم لا يتعلّمون، تعلّموا قبل أن يُرفع العلم، فإنّ رفعُ العلم؛ ذهاب أهله)) رواه الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- في ’’جامع بيان العلم وفضله‘‘.
وعن أبي وائل قال: ((قال حذيفة -رضي الله عنه-: أتدري كيف ينقص العلم؟ قال: قلت: كما ينقص الثوب، كما ينقص الدرهم، قال: لا، وإنّ ذلك لمَنِهُ قبضُ العلماء)) رواه الدّارمي -رحمه الله-. [نقلاً عن مجلّة’’منابر الهدى‘‘، عدد (2)، ص3 - 4].
فلمّا ذهب عني هول الصّدمة قُمت بجمعِ كلَّ ما وقفت عليه منشوراً في بعض شبكات الانترنت عن فضيلة الشّيخ ابن برجس -رحمه الله-، ثم ظهر لي أن أربط بينها وأنسق بين أطرافها، ومراجعة ما اتّفق لديّ من كتبٍ وأشرطةٍ للشّيخ -رحمه الله-، حتى أجعل منه موضوعاً متكاملاً، وأكون بهذا قد أدّيت بعض ما للشّيخ -رحمه الله- عليّ من منّة، خاصةً وقد قرأت بعض ما كتبه أحد أذنابِ الخوارجِ في موقعٍ تكفيريٍّ -لا أعرفه ولا أحبُّ أن أعرفَهُ-، عن فضيلتِه-رحمه الله-، وقد نقلَه بعضهم إلى موقعٍ يجمع بين الغثِّ والسَّمين، فوالذي نفسي بيده لقد دمعت عيني لبشاعة كلامِه، وسوء قالِه، وفيمن؟ في عالمٍ فاضلٍ قد شهد له -القريب والبعيد-بالعلم والدِّين، ولكن هذا ما يَفعلُ الهوى بأصحابه، وعند الله تجتمعُ الخصومُ.
فتأكّدت نيّتي في كتابة هذا البحث، عسى أن أُذكِّر من خلاله ببعض بمآثر الشّيخ -رحمه الله- وسيرتِه العطرة، ((وإن القلم ليَعجزُ عن ذكر محاسنِه، وعدِّ مناقبِه ومآثرِه، ولئنْ مات الشيخ فعلمه لم يمت، وقد نَشره في كل مكان، ولئن مات الشيخ فأعماله ومآثره لم تمت وقد سارت بها الركبان، ولئن مات الشيخ فهوحيٌّ بين الناس يذكرونه بالفضل والإحسان.
قد مات قومٌ وماتت مكارمهم * وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتُ
وقال آخر:
وما دام ذكر العبد بالفضل باقياً * فذلك حيٌ وهوفي التُّرب هالكُ
.)) [من كلام الشّيخ عبد المجيد جُمعة -حفظه الله-، نقلاً عن ’’منابر الهدى‘‘، عدد (2)، ص5].
ومع هذا ((فليس القصدُ من الكتابة عن شخصٍ ما مدحهُ وإبرازهُ، وإنّما القصدُ هوالاستفادة من جهودِه والإقتداء بسيرتِه، والانتفاع بخبرتِه))، كما قال الشّيخ العلاّمة صالح الفوزان -حفظه الله- في تقريظِه لكتاب’’الشيخ العلامة عبد بن عبد الرحمن أبا بطين: حياته وآثاره وجهوده في نشر عقيدة السلف‘‘ للدكتور علي العجلان -وفقه الله- (ص6).
وفي هذه المقدّمة أُشير إلى أنّي قد استفدت كثيراً من مقال للأخ هاني بن سالم الحسينيّ الحارثيّ -وفّقه الله- نشره في جريدة ''الجزيرة'' السعودية، ثمّ في ’’شبكة سحاب السلفيّة‘‘ بتاريخ (16/ 04/2004م)، واستفدتُ كذلك من عددٍ ممّن كتب في الموضوع، فجزاهم الله خيراً. وحالي في هذا الجمع كما قال الشّيخ بكر أبوزيد -حفظه الله- في كتابه ’’النظّائر‘‘ (ص17): ((وجميع ما ذكرته ليس لي فيه من فضلٍ سوى الجمع والتّرتيب، وبعد ديمومة النّقلة والتّرحال من كتابٍ إلى آخر، حتى لوقلت لكلِّ جملةٍ منها: عودي إلى مكانك لما بقيَ لي منها إلاّ
¥