تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الْْأُمُورِ، ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى، وَرَاحَةِ النُّعْمَى، في أَنْعَمِ نَوْمِهِ، وَآمَنِ يَوْمِهِ. قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً، وَقَدَّمَ زَادَ الْآجِلَةِ سَعِيداً، وَبَادَرَ مِنْ وَجَلٍ، وَأَكْمَشَ فِي مَهَلٍ، وَرَغِبَ فِي طَلَبٍ، وَذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ، وَرَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ، وَنَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ. فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَنَوَالاً، وَكَفى بَالنَّارِ عِقَاباً وَوَبَالاً! وَكَفَى بِاللهِ مُنْتَقِماً وَنَصِيراً! وَكَفَى بِالكِتَابِ حَجيجاً وَخَصِيماً!

أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ، وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ، وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً، وَنَفَثَ فِي الْآذَانِ نَجِيّاً، فَأَضَلَّ وَأَرْدَى، وَوَعَدَ فَمَنَّى، وَزَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ، وَهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائمِ، حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ، وَاستَغْلَقَ رَهِينَتَهُ، أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ، وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ، وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ.

أَمْ هذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْْأَرْحَامِ، وَشُغُفِ الْْأَسْتَارِ، نُطْفَةً دِهَاقاً، وَعَلَقَةً مِحَاقاً، وَجَنِيناً وَرَاضِعاً، وَوَلِيداً وَيَافِعاً. ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً، وَلِساناً لْافِظاً، وَبَصَراً لْاحِظاً، لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً، وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً; حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ، وَاسْتَوَى مِثالُهُ، نَفَرَ مُسْتَكْبِراً، وَخَبَطَ سَادِراً، مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ، كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ، فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ، وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ; لْايَحْتَسِبُ رَزِيَّةً، وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً ; فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً، وَعَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيراً، لَمْ يُفِدْ عِوَضاً، وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً. دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ، وَسَنَنِ مِرَاحِهِ، فَظَلَّ سَادِراً، وَبَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الْآلَامِ، وَطَوَارِقِ الْْأَوْجَاعِ والْْأَسْقَامِ، بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ، وَوَالِدٍ شَفِيقٍ، وَدَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً، وَلَادِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً. وَالْمَرءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ، وَغَمْرَةٍ كَارِثَةٍ، وَأَنَّةٍ مُوجِعَةٍ، وَجَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ وَسَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ. ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً، وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً، ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْْأَعَوادِ رَجِيعَ وَصِبٍ، وَنِضْوَ سَقَمَ، تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ، وَحَشَدَةُ الْإِخْوَانِ، إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ، وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ ; وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ، وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ، وَعَثْرَةِ الْإِمْتِحَانِ. وَأَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُلُ الْحَمِيم، وَتَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ، وَفَوْرَاتُ السَّعِيرِ، وَسَوْراتُ الزَّفِيرِ، لاَ فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ، وَلاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ، وَلاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ، وَلاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ، وَلاَ سِنَةٌ مُسَلِّيَةٌ، بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ، وَعَذَابِ السَّاعَاتِ! إِنَّا بِاللهِ عَائِذُونَ! عِبَادَ اللهِ، أَيْنَ الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا، وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا، وَأُنْظِرُوا فَلَهَوْا، وَسُلِّمُوا فَنَسُوا؟ أُمْهِلُوا طَوِيلاً، وَمُنِحُوا جَميِلاً، وَحُذِّرُوا أَلِيماً، وَوُعِدُوا جَسِيماً! احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ، وَالْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ. أُولِي الْْأَبْصَارِ وَ الْْأَسْمَاعِ، وَالْعَافِيَةِ وَالْمَتَاعِ، هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلاَصٍ، أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلاَذٍ، أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ! أَمْ لاَ؟ (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)! أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ! أَمْ بِمَاذَا تَغْتَرُّونَ؟ وَإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْْأَرْضِ، ذَاتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ، قِيدُ قَدِّهِ، مُتَعَفِّراً عَلى خَدِّهِ! الْآنَ عِبَادَ اللهِ وَالْخِنَاقُ مُهْمَلٌ، وَالرُّوحُ مُرْسَلٌ، فِي فَيْنَةِ الْإِرْشَادِ، وَرَاحَةِ الْْأَجْسَادِ، وَبَاحَةِ الْْأَحْتِشَادِ، وَمَهَلِ الْبَقِيَّةِ، وَأُنُفِ الْمَشِيَّةِ، وَإِنْظَارِ التَّوْبَةِ، وَانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ قَبْلَ الضَّنْكِ وَالْمَضِيقِ، وَالرَّوْعِ وَالزُّهُوقِ، وَقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ المُنتَظَرِ، وَإِخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ.

قال الشريف الرضي: في الخبر: أنّه عليه السلام لمّا خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود، وبكت العيون، ورجفت القلوب. ومن الناس من يسمي هذه الخطبة: «الغراء».

المصدر من إحدى المواقع

و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. و صلى الله على النور الهادي وآله وسلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير