تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والنسبة العربية والثقافة العربية وكان هذا تنبيها بليغا، اما متاعبي مع مدرسة الغابة والحصراء فكانت موضوع مقالة باسم تحالف الهاربين نشرتها في كتابي الديمقراطية والثقافة في السودان عام 1996 بالقاهرة وانا معاصر لهذه المدرسة وكنت قريبا من مؤسسيها الشاعر الفحل المرحوم محمد عبدالحي ومحمد المكي ابراهيم والنور عثمان فقد تزاملت معهم في رابطة ادباء جامعة الخرطوم ومصدر متاعبي مع المدرسة انها في حينه تركت البعد الافريقي فينا وعالجت بما يعرف الآن باسلوب الاستشراق اي انها نظرت الى افريقيا من خلال الكتابات الاوروبية والغربية التي لا توقر افريقيا ولا الافريقيين كثيرا ويثير هذا المقال بالذات من كتاباتي جدلا كثيرا، اما آباد ماك فهي حركة ابداعية للكتاب والفنانين التقدميين ونشأت في عام 1968 وكنت سكرتيرها العام وكانت اقرب الى الحركة السياسية الابداعية منها الى حركة استبطان الهوية فقد نشأت في ملابسات الخصومة بين العلمانية والاسلامية في ذلك الوقت واتجهت بشكل رئيسي لفتح المنافذ الى الجمهور لتقيم جسرا ابداعيا الى جمهرة الناس العاديين متأثرة شيئا ما بما كان يدور في مصر في ذلك الوقت وفي غيرها من الاماكن في سياق انفجارات الستينيات العالمية، كنا مثلا نسير قوافل ثقافية الى القرى والدساكر تتكون من شعراء ومن معارض تشكيلية ومسرحيات وهلم جرا.

وكانت لدينا عقيدة ان هناك ابداعاً لدى الشعب فكنا نقيم ليلة ابداعية ونضمنها فقرات من الابداع المحلي في برنامجنا العام ثم اخذنا مرة قرية اسمها بورت نيل لما لمسناه فيها حيث وجدنا فيها ميلاً قوياً للابداع وارسلنا ثلاثة من طاقم حركتنا ليقيموا في القرية ويعينوا اهلها ومبدعيها في مجال المسرح والتشكيل وهم عبدالله جلاب وطلحة الشفيع وعلي الوراق وقد انتهينا الى برنامج كامل من مبدعي القرية عرض في المسرح الاقليمي للمحافظة وفي المسرح القومي بالخرطوم، وهنا احاول التفرقة بين الحركة الابداعية في كل تيار حيث كانت الخرطوم اكثر تشددا بالهوية والحركات الاخرى تهتم بالنفاذ للشعب.

ـ هل يمكننا الحديث عن ظاهرة في الادب السوداني اسمها ظاهرة الطيب صالح وهل ترى ان المبدعين الآخرين سقطوا تحت وطأة هذه النجومية المفرطة لتجعل الجميع في المرتبة الثانية او الثالثة بالرغم من اعتراف الطيب في أكثر من موقع انه ليس المبدع الافضل في السودان .. كيف تقيم هذه الاشكالية؟

ـ كثيراً ماخطر لي كلما تحدث النقاد عن الطيب صالح جزء من رواية انجليزية من شارلت برانتي تقول فيها الام لابنتها التي لم تحسن الحديث في مجلس ما وهي تزجرها اذا لم يكن لديك شيئا ما تقولينه فلم لا تتحدثين عن الطقس!

وبغير تذنيب للطيب صالح انه كلما تنادى النقاد للحديث عن الادب السوداني تحدثوا عن الطيب صالح مع اعترافي بأنني قادم من نفس القرى التي كتب عنها الطيب صالح وانه استنقد هذه القرى من شخصيات الاهبل، المرأة المسترجلة، والعجوز وما الى ذلك من التشكيلات الاجتماعية من ارقاء سابقين الى اعراب بدو الى الاولياء وغيرها، ومن وجهة اخرى حاصلة صناعة وهي صناعة الادب المقارن في الجامعات الاوروبية التي تكتفي بنماذج او امثلة لكتاب من العالم الثالث نجوجي من كينيا والشيبي في نيجيريا والطيب صالح من السودان وهي لا تعي الاداب التي خرج منها وهي الصناعة الاعلى صوتا والاوسع ذيوعا والتي تصنع لنا الأمثلة والنموذج وهي صناعة لا تريد ان تعرف من الادب السوداني وقد ورثت المدرسة الادبية المقارنة المدرسة التي تسمى حاليا بدراسات ما بعد الاستعمار وهي تعنى بالانموذج والرمز من كل كاتب لكل بلد واصبح في عرف هذه المدرسة ان هؤلاء المبدعين النماذج هم مبدعون بلا اوطان او المبدعون المشردون التي هي صفة مبدع ما بعد الاستعمار او ما بعد الحداثة وهي دعوة صريحة كالطيب صالح انه كاتب منبت عن تقاليد ووطن معين.

وبعيدا عن العولمة يمكن القول ان هناك ظاهرة اسمها الطيب صالح وهو غير مسئول عنها وهي نتيجة تقاليد معينة وربما كان الطيب نفسه من المتضررين من هذه الصناعة لانه يعلم أنه جزء من نسق الابداع القومي وهو اعلم الناس بذلك وفي كتاباته تشعر بهذه الانتماءات وفي النهاية فإن المتضرر الاكبر هو الطيب صالح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير