تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وروي أن عمر بن الخطاب سأل يوماً عن أمضى سيوف العرب، فقيل له: (صمصامة عمرو بن معد يكرب الزبيدي) فأرسل إلى عمرو أن يبعث إليه سيفه المعروف بالصمصامة، فبعثه إليه، فلما ضرب به وجده دون ما كان يبلغه عنه فكتب إليه في ذلك، فردَّ عمرو: (إنني إنما بعثت إلى أمير المؤمنين بالسيف، ولم أبعث إليه بالساعد الذي يضرب به) (18).

وهذا الخبر، بهذه الصورة مشكوك بصحته لأمرين:

أولهما: أن الصمصامة لم يكن بحوزة عمرو بن معد يكرب في عهد عمر بن الخطاب، فقد سبق أن وهبه لخالد بن سعيد بن العاص عامل الرسول على اليمن، وقد حمله خالد معه إلى بلاد الشام بعد حروب الردة مباشرة حين ضمه أبو بكر إلى جيش شرحبيل بن حسنة، مما يعني أن عمر لو رغب في رؤية "الصمصامة" لطلبه من خالد لا من عمرو، وما كان لأمر كهذا أن يفوته، وهو الذي لا تغيب عنه لا صغيرة ولا كبيرة في دولته.

وثانيهما: أن الكلمات المنسوبة إلى عمرو في رده على الخليفة عمر تبطن غمزاً بعمر بن الخطاب، ولا تخفى دوافع المعارضة من اليمنيين الذين كانوا على خلاف مع بعض القادة الكبار حينذاك.

وإذا صح شيء من الخبر، فإنه ينتهي عند تساؤل عمر عن أمضى السيوف، والجواب عليه بـ: (صمصامة عمرو بن معد يكرب الزبيدي) فحسب، أما ما لحق بهذا الخبر من تتمة فهو، بلا شك، من اختلاق الرواة المعارضين لأسباب لا مجال الآن للخوض في تفاصيلها.

وعلى أية حال، يبدو لنا أن صرامة "الصمصامة" أمر مؤكد، وإلا لما تسابق المحاربون، والأمراء، والخلفاء للحصول عليه، ودفع بعضهم في سبيله أموالاً طائلة.

وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى أن نوع المعدن ونقاءه، وما يشوبه، ودرجة الحرارة التي يصنع فيها، وطريقة التبريد، وظروفها، وخبرة الصائغ ... الخ .. كلها لها أثرها في مواصفات السيف، ومدى صلابته، ومقدرته على القطع. ولذلك لا نجد غرابة من وجهة النظر العلمية في أن يتمتع سيف أكثر من غيره بصرامة متفوقة. لكن الصمصامة حين آل إلى الخليفة العباسي الواثق بالله (19)، أو المهدي في رواية ثانية (20) دعا بصيقل، فلما سُقي السيف تغير، وقل قطعه.

رحلة الصمصامة:

تطرقنا في البداية إلى شيء مما يحيط ببدايات هذا السيف من غموض يمتزج فيها الديني بالتاريخي بالخيالي. والأمر المؤكد أنه كان أحد سيوف عمرو بن معد يكرب الزبيدي حتى جاء خالد بن سعيد بن العاص عاملاً للرسول على اليمن فوهبه له عمرو. وبين الروايات اختلاف حول سبب هذه الهبة.

فقد ذكر الكلبي أن خالد بن سعيد حين بعثه الرسول عاملاً على اليمن أغار على رهط عمرو بن معد يكرب، لتمردهم على الإسلام، فوقع عدد منهم أسرى في يده بينهم امرأة عمرو- أو أخته ريحانة (21) - فعرض عمرو على خالد أن يمن عليهم بالإفراج فقبل، وأسلموا، فوهبه عمرو سيفه "الصمصامة" وقال في ذلك:

خليلٌ لم أهبهُ من قِلاه = ولكن المواهبَ للكرام

خليلٌ لم أخنْه ولم يخنّي = كذلك ما خِلالي أو نِدامي

حبوتُ به كريماً من قريش = فسُرَّ به وصِينَ عن اللئام (22)

وذكر الهيثم بن عدي رواية ثانية للبيت الثاني:

خليلٌ لم أخنْه ولم يخني = على الصمصام أضعافُ السلام (23)

والأبيات كما نلاحظ لا إشارة فيها إلى الإغارة المذكورة، ولا تشي باعتراف بالجميل لأي سبب، وإنما تركز على فكرة الكرم عامة، والعبارة الوحيدة التي يمكن التوقف عندها لمعرفة خليفتها هي (المواهب للكرام) أو (التواهب في الكرام) في رواية ثانية، والأخيرة أكثر قرباً إذا صحت والتي ربما تتضمن إشارة خفية إلى ما لخالد من يد على عمرو. إلا أن الأخبار المتفرقة عن خالد بن سعيد تلمح بوضوح إلى أنه يتمتع ببطولة، وخصال لم تخرج عن روحها الجاهلية التي يتمتع بها عمرو أيضاً وهي كفيلة بأن يتبادل الرجلان الإعجاب، والصنيع. فقد ذُكر أن المسلمين كانوا (إذا اجتمعوا لحرب أقرّه الأمراء فيها، لبأسه، وكيده، ويمن نقيبته) وقد قاد معركة (دائن) قرب غزة وانتصر فيها على الروم قبل قدوم خالد بن الوليد (24).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير