ويبدو أن هناك تقارباً في الطباع بينهما أيضاً. نلمح ذلك من إشارة عمر بن الخطاب- قبل أن يصبح خليفة- في نهايات حروب الردة، حين عقد أبو بكر ثلاثة ألوية لثلاثة رجال، هم: خالد بن سعيد بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص السهمي، ليوجههم إلى بلاد الشام، فلما عقد أبو بكر لخالد بن سعيد كره عمر بن الخطاب ذلك، وكلم أبا بكر في عزله، ووصفه بـ (إنه رجل فخور يحمل أمره على المغالبة والتعصب) فعزله أبو بكر- مع أنه كان ثالث أو رابع من اعتنقوا الإسلام (25) - وسلم اللواء ليزيد بن أبي سفيان (26) مما يشير إلى اقتناع أبي بكر بما قاله عمر. وهذه الخصال التي ينتقدها عمر في شخصية خالد، ويؤيده أبو بكر في انتقادها هي مما يفتخر به عمرو بن معد يكرب، ولم تفارقه بعد إسلامه، كما أن خالد بن سعيد ظل متحلياً بها إلى آخر أيامه، وهو الذي كان يُنشد في اليوم الذي استشهد فيه:
من فارس كرهَ الطِّعانَ يُعيرُني = رمحاً إذا نزلوا بمرج الصُّفَّرِ
ولذلك فباب الإعجاب كان مفتوحاً بين خالد وبين عمرو، وأستبعد أن يهب الأخير، سيفه العزيز عليه لرجل لا يملأ عينه مهما كانت الأسباب.
ويتضح من الأخبار أن "الصمصامة" ظل مع خالد بن سعيد إلى يوم (مرج الصفر) جنوبي دمشق- عام 13هـ- 634م (27) - حين دارت رحى معركة دامية مع الروم صبيحة الليلة التي تزوج فيها أمَّ الحكم بنت الحارث المخزومي أرملة عكرمة بن أبي جهل- الذي استشهد في اليرموك- فقضى خالدٌ شهيداً، ووجده معاوية فاخذ الصمصامة منه، ثم طالب به فيما بعد سعيد بن العاص بن سعيد .. فتقاضيا عند عثمان فقضى له، وظل عنده إلى أن وقع (يوم الدار) ووقع مروان بن الحكم على مقربة منه. فأخذ الصمصامة رجل من جهينة، ودفعه الجهني إلى صيقل ليجلوه، وحين رأى الصيقلُ السيف عرف قدره، واستبعد أن يكون للجهني، فرفض أن يعيده له، وأتى به إلى مروان بن الحكم، وهو والي المدينة حينذاك، فسأل الجهنيَّ عنه، فحدثه بما حدث معه يوم الدار، فقال مروان: (أما والله لقد سُلبت سيفي يوم الدار، وسُلب سعيد بن العاص سيفه) وحين جاء سعيد عرف السيف، فاسترده، وختم عليه، ثم بعث به إلى عمرو بن سعيد الأشدق، وهو على مكة فمات سعيد، وبقي السيف عند عمرو بن سعيد، ثم أصيب عمرو بدمشق، فأخذ السيف أخوه محمد بن سعيد، ثم صار إلى يحيى بن سعيد، وبعد موته انتقل إلى عنيسة بن سعيد بن العاص .. ولما أصبح في يد أبان بن يحيى بن سعيد حلاه بحلية ذهبية وعندما آلت الخلافة إلى العباسيين تمكن المهدي من الحصول عليه، بعد بحث، فاشتراه من أيوب بن أبي أيوب بن سعيد .. بنيف وثمانين ألفاً، ورد حليته الذهبية إليه (28).
أما أبو عبيدة فيذكر أن المهدي حين كان في واسط أرسل إلى بني العاص يطلب "الصمصامة" فقالوا: (إنه في السبيل محبساً) فقال: (خمسون سيفاً قاطعاً في السبيل أغنى من سيف واحد) وأعطاهم خمسين سيفاً، وأخذه (29).
وفي رواية أخرى أن "الصمصامة" لم يزل في آل سعيد إلى أيام هشام بن عبد الملك فاشتراه خالد القسري بمال كثير، وأوصله إلى هشام الذي كان يجد في البحث عنه، ولم يزل عند بني مروان حتى آلت الأمور إلى بني العباس. فطلبه السفاح، والمنصور، والمهدي، فلم يجدوه، وجدّ الهادي في طلبه حتى ظفر به (30).
أما الهيثم بن عدي فيذكر أن ولد سعيد بن العاص ظلوا يتوارثون "الصمصامة" إلى مجيء موسى الهادي- بعد وفاة المهدي- فاشتراه منهم بمال كثير، وكان موسى من أوسع بني العباس خلقاً، وأكثرهم عطاءً للمال، فجرده، ووضعه بين يديه، وأذن للشعراء بالدخول ودعا بإناء واسع فيه دنانير مكافأة لمن يحسن وصف "الصمصامة" فقال أحدهم:
حازَ صمصامةَ الزبيديِّ من بيـ = ـن جميع الأنام موسى الأمينُ
سيف عمرو وكان فيما سمعنا = خيرَ ما أغمدتْ عليه الجفونُ
أوقدت فوقه الصواعق ناراً = ثمَّ شابت به الزعافَ القيونُ
فإذا ما هززتَه بهرَ الشمـ = (م) = س ضياءً فلم تكد تستبينُ
يستطير الأبصارَ كالقبس المش = (م) = ـعل ما تستقر فيه العيونُ
وكأن الفرندَ والجوهرَ الجا = (م) = ريَ في صفحتيه ماءٌ معينُ
نعمَ مخراقُ ذي الحفيظة في الهيـ = ـجا بعضَّاتها ونعمَ القرينُ
ما يبالي إذا انتضاهُ لضربٍ = أشمالٌ سطت به أم يمينُ
وكأن المنونَ نِيطتْ إليه = فهو من كلِّ جانبيهِ منونُ
¥