ونقل النووي في التبيان والأذكار جملة من ذلك فقال في التبيان (46) "ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات سليم بن عمر - رضي الله عنه - قاضي مصر في خلافة معاوية - رضي الله عنه -. وروى أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات. قال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي - رضي الله عنه -: "سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول: كان ابتن الكاتب - رضي الله عنه - يختم بالنهار أربع ختمات، وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة. وروى السيد الجليل أحمد الدروقي بإسناده عن منصور بن زادان من عُباد التابعين - رضي الله عنه - أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر ويختمه أيضاً فيما بين المغرب والعشاء في رمضان ختمتين، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل، وروى أبو داود بإسناده الصحيح أن مجاهداً كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء وعن منصور قال كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان، وعن إبراهيم بن سعد قال كان أبي يحتبي فيما يحل حبوته حتى يختم القرآن، وأما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم ... ". (1)
المسألة الخامسة: أقل ما يُختم فيه القرآن:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يفقه مَن قرأ القرآن في أقل من ثلاث". أخرجه أبو داود (1394) والترمذي (2950) والنسائي وابن ماجه (1347) وأحمد (2/ 164،165) وأبو عبيد وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه النووي في التبيان (ص48).
وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة والمروزي عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه كان يكره "أن يُقرأ القرآن في أقل من ثلاث" وصححه الحافظ ابن كثير.
وأخرج ابن أبي شيبة (2/ 502) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "اقرأوا القرآن في سبع ولا تقرأوه في ثلاث" وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي داود - كما في الفتوحات (231/ 3) - عنه (رضي الله عنه) أنه قال: "لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث".وأخرج ابن أبي شيبة وأبو عبيد والطبراني في الكبير كما في المجمع (2/ 269) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز". وقال أبو عبيد: "إلا أن الذي أختار من ذلك أن لا نقرأ القرآن في أقل من ثلاث للأحاديث التي ذكرناها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الكراهة لذلك".
وقال النووي في التبيان (ص48): "وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث" وقال الحافظ ابن كثير: "وقد كره غير واحد من السلف قراءة القرآن في أقل من ثلاث" كما هو مذهب أبي عبيدة وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الخلف أيضاً".
وقال شيخ الإسلام: "فالصحيح عندهم أنه أمره - عبد الله بن عمرو - ابتداءً بقراءته في الشهر، فجعل الحد ما بين الشهر إلى الأسبوع .. ولا يلزم إذا شرع فعل ذلك أحياناً - التثليث - لبعض الناس أن تكون المداومة على ذلك مستحبة، ولهذا لم يُعلم من الصحابة على عهده مَن دوام على ذلك؛ أعني على قراءته دائماً فيما دون السبع؛ ولهذا كان الإمام أحمد - رحمه الله - يقرؤه في كل سبع".
أما ما نقل عن السلف مما ذكرنا طرفاً منه فقد اختلفت مسالك العلماء في الإجابة عليه، فمنهم من حمل ذلك على أنه لم يبلغهم النهي ومنهم مَن رأى أنهم لم يحملوا الحديث على المنع من ذلك، ومنهم مَن رأى أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص.
وها هنا أمور لعل بها يتضح وجه المسألة:
أولاً: أن ورود ذلك عن السلف والصحابة بوجه أخص لا يعني المداومة عليه؛ خاصة أن الكثير ممن روي عنه ذلك - كعثمان وتميم وغيرهم - رُوي عنه أنه كان يختم في سبع، بل قد نفى ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله - وهو من أعلم الناس في مثل ذلك فقال: "ولهذا لم يعلم في الصحابة على عهده من دوام على ذلك أعني قراءته دائماً فيما دون السبع".
¥