3/ في آية الجزية (و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب) التوبة 29 فدل ذلك على أن الذين أوتوا الكتاب منهم المسلمون الذين يدينون دين الحق و منهم من لا يدين دين الحق.
و الأمثلة كثيرة .. و نخرج من ذلك بقاعدة مؤداها أن وصف (الذين أوتوا الكتاب) يشمل من آمن منهم ومن كفر.
نعود إلى آية سورة المائدة:
(اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم و طعامكم حل لهم،و المحصنات من المؤمنات و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهم محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان و من يكفر بالإيمان فقد حبط عمله و هو في الآخرة من الخاسرين)
ما الذي يجعلنا نقول أن المراد في الآية ب (المحصنات من الذين أو توا الكتاب) هو من آمن منهن فقط؟
1/ وصف المحصنات لم يأت قط إلا في وصف المؤمنات (كما أوضحت في ثانيا بالموضوع الأساس)، الحرائر منهن والمتزوجات و العفيفات. فأنا لم أقل أن المراد بالمحصنات هو المؤمنات كما ظن الأخ فهد الوهبي و لكني قلت أن هذه الصفة اختصت كل الآيات المؤمنات بها فأصبحت تدل عليهن. فدل ذلك على أن (المحصنات من الذين أوتوا الكتاب) تعني من آمن منهن.
و قد يسأل سائل:
إذا كان الذين أوتوا الكتاب منهم من آمن ومنهم من كفر (اليهود والنصارى) فلم دلت الآية على المحصنات المؤمنات منهن، بينما اكتفت بلفظ (الذين أوتوا الكتاب) رغم عدم اقتصاره على المؤمنين منهم؟
لماذا لم يقل الله مثلا (و المحصنات من الذين أتوا الكتاب ويدينون دين الحق) لرفع هذا اللبس؟
و الجواب:
إن المرأة من الذين أوتوا الكتاب قد تؤمن بينما تبقى أسرتها على الكفر، و لكنها رغم إيمانها تحمل صفة (أهل الكتاب) و أهلها يحملون نفس الصفة رغم بقائهم على الكفر، و ربما وجد المسلمون حرجا في الزواج بمن كانت هذه حالها. فجاءت الآية لرفع هذا الحرج.
وكذلك ربما وجد المسلم حرجا في الزواج بمن أسلمن من المشركين و المجوس والصابئين مع بقاء أسرهن على الكفر و لذلك قال تعالى (والمحصنات من المؤمنات) و لم يقل (من المؤمنين) ليشمل ذلك تلك الفئة التي بقيت أسرتها على الكفر؟
2/ انتهت الآية بقوله تعالى (ومن يكفر بالإيمان فقط حبط عمله و هو في الآخرة من الخاسرين) فكأن الله تعالى ينبه إلى أن إباحة النكاح من المؤمنات من الذين أوتوا الكتاب لا يعني إسقاط البراء من الكافرين منهم (اليهود والنصارى) خاصة في حال بقاء أسرة المرأة على الكفر.
3/ القول بالنسخ لن يعني نسخ قوله تعالى (و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) فقط، بل سيعني نسخ عقيدة الولاء والبراء بالكامل، و على هذه الآية يلعب العصرانيون و أصحاب المدرسة العقلية ومن لف لفهم محاولين التنصل من عقيدة الولاء والبراء، لأن الزواج بالكتابية لن يعزلها عن أسرتها و سيجد المسلم نفسه مضطرا إلى مخالطة اليهود أو النصارى وموالاتهم من باب صلة الرحم.
و لمزيد من التوضيح نقول:
# في الأثر المرفوع (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) فهل سيخرج المسلم زوجة الكتابية؟
# (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعض و من يتولهم منكم فإنه منهم) المائدة، فهل سيتبرأ المسلم من زوجه وأهلها؟
# (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) المجادلة
و لا حظ (ولو كانوا) مما يدل على عدم الاستثناء مهما بلغت صلة القرابة كحال الآباء والأبناء فكيف بالزوجات وأسرهن.
# (و لا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم) الأحزاب
# (الأخلاء بعضهم يومئذ لبعض عدو إلا المتقين) الزخرف، فإن عادى المسلم زوجته الخليلة يوم القيامة فهو ليس من المتقين!!
# (و أعرض عن الجاهلين) الأعراف
و الآيات كثيرة، لا يمكن القول بالتخصيص مادام هناك سبيلا للجمع بين النصوص كما بينت.
و الآن سنقوم بالرد على بعض ما أورده الأخوة المشاركون:
إن من فقه العبد عدم تناول المسائل الاجتهادية الخلافية بالقطع فيها بحكم معينللصواب واحد، و في المسائل الخلافية يكون الصواب قولا واحدا، والباقي خطأ، و إذا قبلنا قولين في مسألة واحدة فهذا يخرج عن حدود المعقول.
قال الإمام المزني
¥