يقال لمن جوز الاختلاف و زعم أن العالمين إذا اجتهدا في الحادثة فقال أحدهما حلال والآخر حرام أن كل واحد منهما في اجتهاده مصيب الحق: (أبأصل هذا أم بقياس) فإن قال: بأصل، قيل له: كيف يكون أصلا والكتاب ينفي الاختلاف، و إن قال: بقياس، قيل له: كيف تكون الأصول تنفي الخلاف ويجوز أن تقيس عليها جواز الخلاف؟ هذا ما لا يجوزه عاقل فضلا عن عالم) جامع بيان العلم لابن عبد البر (2/ 89)
و لذا لابد من القطع بالحكم في المسائل الخلافية لأن إقرار الخلاف غير جائز أصلا.
ذهب جمهور العلماء إلى صحة نكاح الكتابية استدلالاً بالآية التي ذكرت، حيث جمع الله فيها بين المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب فدل على الإباحة، وفرق الله بينهما فدل على التفريق.
التفريق هنا لاختلاف الحال و ليس لاختلاف العقيدة كما أوضحت، فحال المؤمنة في الأسرة المسلمة تختلف عن حال المؤمنة من أهل الكتاب و التي قد تبقى أسرتها أو عشيرتها على الكفر.
وذهب الصحابي الجليل ابن عمر وجمع من العلماء إلى عدم الجواز قالوا: لا فرق بين المشركات وبين من جعلت عيسى إلهاً. وقال به الإمامية.
و هل ابن عمر وهؤلاء العلماء من الإمامية؟
وقال بعض العلماء: ليس هذا نسخاً فإن لفظة المشركين بإطلاقها لا تتناول أهل الكتاب بدليل قوله تعالى: (لم يكن الذي كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) وقوله: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين)، قال ابن قادمة: " وسائر آي القرآن يفصل بينهما، فدل على أن لفظة المشركين بإطلاقها غير متناولة لأهل الكتاب ".
و هل العطف في هذه الآيات يقتضي المغايرة التامة فقط أم المغايرة الجزئية أيضا؟
وصف من كفر من أهل الكتاب بالشرك ثابت (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله و المسيح بن مريم و ما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) التوبة 31
ولذا عند إطلاق لفظ المشركين فلا ريب أنه يشمل كل من وُصف بالشرك مادام جاء مفردا. و ليس مقرونا كما في الآيات السابقة.
لا يجوز تحكيم شرع الله تعالى لحكم العقل. فلا يقال فيما أبحاه الله تعالى كيف يُعقل ذلك ولا فيما حرمه كذلك. ولعل هذا من فضل علمكم رعاكم الله.
نعم لقد أخطأت في قولي (فهل يعقل) .. لا بأس ..
أن أهل الكتاب لم يدخلوا في المشركين , فجعل أهل الكتاب غير المشركين , بدليل قوله: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا}. فإن قيل: فقد وصفهم بالشرك بقوله: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}. قيل: أهل الكتاب ليس في أصل دينهم شرك , فإن الله إنما بعث الرسل بالتوحيد , فكل من آمن بالرسل , والكتب , لم يكن في أصل دينهم شرك , ولكن النصارى ابتدعوا الشرك , كما قال: {سبحانه وتعالى عما يشركون} بحيث وصفهم بأنهم أشركوا , فلأجل ما ابتدعوه من الشرك الذي لم يأمر الله به وجب تميزهم عن المشركين ; لأن أصل دينهم اتباع الكتب المنزلة التي جاءت بالتوحيد لا بالشرك. فإذا قيل: أهل الكتاب لم يكونوا من هذه الجهة مشركين , فإن الكتاب الذي أضيفوا إليه شرك فيه
و لذا قلت أن أهل الكتاب يطلق على من آمن منهم و من كفر، فهذا القول يؤيد ما أدرجته سالفا.
و لكن من كفر منهم يدخل في المشركين و هم اليهود والنصارى و الأية (و قالت اليهود عزير بن الله و قالت النصارى المسيح ابن الله …………… سبحانه عما يشركون)، و لا يشرك إلا المشرك، فعندما يقول الله تعالى (يشركون) فقد حسم الله الأمر في إشراك اليهود والنصارى، ولا يجوز أن نقول عليهم ليسوا مشركين.
قال {عما يشركون} بالفعل , وآية البقرة قال فيها المشركين والمشركات بالاسم , والاسم أوكد من الفعل. (الإسم أوكد من الفعل) لا تعني أن الفعل لا يثبت الصفة كما يثبتها الاسم. و من ادعى أن الفعل لا يثبت الصفة فعليه الدليل.
¥