تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الوقفة الثانية: كتبت دراسات كثيرة معاصرة في فقه اللغة العربية، وفي التطور الدلالي للمفردات، لا يستغني عنها المتخصص في الدراسات القرآنية. بل أصبح في اللغة علم قائم برأسه هو (علم المفردات) وهو العلم الذي يبحث في جزئيات الكلمة المفردة فيستقصي أصواتها، ويتعرف على أصولها الأولى، ويوضح ما غمض من تركيبها ويؤصل بنيتها، ويبين صيغتها، ويقابلها بمدلولها، مشيراً إلى كنه التغيرات التي تطرأ على المدلول بتغير الصيغة، زيادةً، أو إبدالاً في صوت منها، أو حذفاً لواحد أو أكثر من هذه الأصوات.

وهذا النوع من العناية بالمفردة اللغوية قديم، وقد نقلت لنا كتب النقد الأدبي وغيرها نظرات النابغة الذبياني لأبيات حسان بن ثابت التي يقول فيها:

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

وفيها - إن صحت - دليل على العناية بالمفردة اللغوية بذاتها، وفي سياقها. وقد اهتم العلماء من بعدُ بتأليف المعاجم التحليلية في البنية، وقد تقدمت الإشارة إلى مقاييس اللغة لابن فارس رحمه الله (395هـ) الذي يعد أعظم مؤلف في تحليل بنية الكلم، فقد أشار إلى الأصل الثنائي، وما يثلثه عاقداً مقارنة تعليلية للمعنى الزائد مع زيادة التثليث، موضحاً ما يعود منه إلى أصل واحد، أو أصلين أو أكثر. موضحاً الأصول التي نُحِتَ منها ما فوق الثلاثئي، مع ذكر المعاني الخاصة بكل منها.

ومن قبل كان الأصمعي رحمه الله، وأبو زيد الأنصاري وابن دريد رحمهم الله وغيرهم كان لهم فضل كبير في التصنيف في معجمات الدلالة والتركيب على السواء. فقد كتبوا في المفردات الدالة على خلق الإنسان، والأجناس، والأنواء، والميسر والقداح، والمطر، والنبات، والشجر، والأصوات، ومياه العرب وغيرها.

وكتب ابن دريد في أصول اشتقاق أسماء القبائل والأعلام، والدلالات في صفة السحاب، والغيث والرذاذ، والأنواء والسلاح ... الخ.

ولا يزال علم المفردات حديث الظهور في الدراسات اللغوية الغربية، قلق التقسيم والتفريع، لم يستقر حتى عهد قريب، وقد كتب في ذلك جرجي زيدان كتابه (الفلسفة اللغوية).

ومن فضل الله علينا معشر المسلمين أن حفظ الله لنا بهذا الوحي (القرآن الكريم) ثروةً لغوية تحيط بكل ما تحتاج إليه اللغات من مقومات علمية وفنية، أصوات اللغة بدرجاتها المختلفة وبقيمها التعبيرية الصحيحة وعوارض هذه الأصوات، وتأثرها ببعضها، وقوانين هذا التأثر، بالتجويد الصوتي الذي حفظها بشكل علمي في تناقل القراءات وتعلمها عبر الأجيال والقرون. وقد فصل كثيراً من هذا الوجه الدكتور غانم الحمد في دراسته (الدراسات الصوتية عند علماء التجويد).

وعلم الأساليب في النظم المعجز الذي لا يصل إلى شأو دقته بيان، وعلم المفردات في الفروق بالمدلول الصحيح السليم المتسق مع سياق العبارات في المعنى البليغ والنظم المعجز.

وعلوم البلاغة بفروعها، وغير ذلك من جوانب علوم اللغة العربية.

وبهذا يكون القرآن الكريم سنداً أمثل لحفظ كل ما تفتقر إليه لغة جليلة من مقومات، فضلاً عما أتى به من شرائع ومبادئ وقيم هي أس بناء الأمم والحضارات.

ولعل سبق القراءات في حفظ الأصوات اللغوية المختبرات الصوتية اللغوية في العصر الحاضر بأربعة عشر قرناً يدل دليلاً قاطعاً على ما للغة العربية من فضل في التقدم والارتقاء. وإنك لتعجب أنه بعد اختبار أصوات اللغة العربية على أجهزة الصوتيات الحديثة، وجد أن ما ذكره علماء اللغة والتجويد من وصف للمخارج والأصوات منطبق تماماً مع ما أسفرت عنه التجارب الحديثة، ولك أن تراجع ما ذكره محقق كتاب الموضح في التجويد للقرطبي لتجد مصداق ذلك.

وسيبقى القرآن الكريم مرجعاً قويماً نفزع إليه حين ترمى لغتنا بالعقم من شانئيها، لنشير بثقة بالغة ألى هذا المنتجع الكريم في الفكر والعقيدة، وقد حفظ لنا كل قواعد اللغة إلى جانب قوانين علومها الأخرى، بالإضافة إلى ما أتى به من تشريع معجز لا يناله الخطأ ولا يقاربه الخلل.

ولذلك فإن دراسة المفردة القرآنية يعني دراسة اللغة العربية التي هي وعاء الوحي، والدراسات حولها قد كثرت وبسطت واختصرت. ومن المختصرات الجيدة في علم المفردات ما كتبته الدكتورة نشأة محمد رضا ظبيان بعنوان (علم المفردات في إرثنا اللغوي).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير