ومن الأمثلة كذلك مادة (فرى)، قال الراغب: ((الفريُ: قطع الجلد للخرز والإصلاح، والإفراء للإفساد، والافتراء فيهما، وفي الإفساد أكثر، وكذلك استعمل في القرآن في الكذب والشرك والظلم، نحو: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيما) (النساء: 48)، (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) (النساء: 50)، (افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا) (الأنعام: 140)، (وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) (المائدة: 103)، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) (يونس: 38)، (وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِب) (يونس: 60)، (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) (هود: 50)، (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً) (مريم: 27))). مفردات ألفظ القرآن (ص: 634)
ينظر أيضًا في مفردات الراغب الأصفهاني لفظ (زعم: 380، الذوق 332).
الثاني: أن يكون للفظة أكثر من مدلول على سبيل الاشتراك اللفظي اللغوي، لكن الوارد من هذا الاشتراك أحد المعاني.
ومن ذلك لفظة (شَطْرَ)، فلها في اللغة ثلاثة أصول:
الأول: يدل على نصف الشيءِ.
الثاني: يدل على المواجهة، أو الاتجاه للشيء.
الثالث: يدل على البعد
(ينظر: مقاييس اللغة، مادة شطر، وقد جعلها على أصلين، حيث جعل الثاني والثالث أصلاً واحدًا).
والذي ورد في القرآن من هذه المعاني الثلاثة المعنى الثاني، وهو الاتجاه، وقد ورد في قوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة:144)).
وقوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:149).
وقوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (البقرة:150)
ومن اللطائف في هذه المادة أنها لم ترد في القرآن إلا في التوجه إلى الكعبة، كما ترى في هذه الآيات الكريمات.
أما أن يكون للفظة أكثر من مدلول في لغة العرب، ويرد التفسير بها، فهذا كثير جدًّا، وقد يرد التفسير بها في موطن دون موطن، كما هو الحال في الوجوه، وقد يُختلف في تفسير اللفظ في ذاته، فيَحملُه مفسر على معنى، ويحمله آخر على معنى آخر، مثل تفسير لفظ (سجرت، عسعس، كورت) وغيرها، وهذا النوع خارج عن المراد بهذا الموضوع.
وهاهنا تنبيهات:
الأول: أنَّ ألفاظ المصطلح القرآني للفظة أقل بكثير من (المصطلح الشرعي) أو (الوجوه والنظائر).
الثاني: أن السبيل إلى معرفة (المصطلح القرآني) الاستقراء التامُّ للفظة في مواردها، والتأكدُّ من أنها جاءت على وجه واحدٍ لا غير، أما إذا كان لها أكثر من وجه، فإنها تخرج من هذا، وتكون من باب (الوجوه والنظائر) كلفظ البعل ـ مثلاً ـ فالبعل في القرآن الزوج إلا قوله تعالى: (أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) (الصافات:125)، فإنه أراد صنمًا.
والآيات التي ورد فيها البعل بمعنى الزوج هي: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) (النور: من الآية31).
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً) (النساء: من الآية128).
(قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) (هود:72).
وبهذا ينتهي الحديث الأول عن المفردة القرآنية، وسيتبعه إن شاء الله حديث آخر عن علاقة اللفظ بالمعنى المفسِّر لها عند المفسرين، أسأل الله أن يبارك في الوقت والعلم، حتى يخرج هذا البحث، والله الموفق.
وقبل أن أنهي الحديث: أشكر الإخوة الذين تابعوا هذا الموضوع، وأخصُّ منهم من كان له تعليق عليه، فلكم جميعًا من الله الجزاء الأوفى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[30 Mar 2004, 06:09 م]ـ
جزاكم الله خيراً أبا عبدالملك على هذه الحلقات القيمة، ولا غرابة، فالشيء من معدنه لا يُستغرب!
وفقكم الله وزادكم هدى وبصيرة وعلماً بكتابه الكريم.
¥