تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالمجتمع الإسلامي كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

ولا يخفى ما في هذا التوجيه من تربية لحس المسؤولية عند ابنه تجاه الجماعة التي ينتمي إليها وبناء روح المشاركة الإيجابية مع الجماعة.

هذا وقد جاء طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منه لابنه متوسطاً بين الصلاة والصبر، لأن الصلاة هي الباعث المحرض للمؤمن على القيام بواجب النصح للغير أما الصبر فهو لازم للاستمرار والثبات على هذا الواجب.

ولا شك أن من يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلحقه مضرة توجب عليه توطين نفسه على الصبر وتحمل الأذى ليضمن استمرارية الثبات على الحق والدوام عليه. ومن هنا جاءت وصية لقمان لابنه [واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور] بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تربية للإرادة على ضبط النفس والانفعال وتحمل أذى الغير.

ولا تخفى الجوانب التربوية في توجيه الأبناء نحو الصبر إذ الصبر من لزوميات الحياة يستمد منه المسلم قوته ومقومات ثباته ليستمر في تحقيق أهدافه ويصمد مع مبادئه.

كما في الوصية بالصبر حث على التعامل مع المواقف والأحداث والمصائب بإيجابية وقوة إرادة.

فلنحرص على تربية أولادنا على الصبر وضبط النفس والتعامل مع المواقف بإيجابية إذا أردنا لهم تحقيق أهدافهم إذ الهيجان والانفعال يحرق الأهداف ويخرج الشخصية عن اتزانها وصوابها.

هذا ولما كانت الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على المصائب، تكاليف شاقة لايقدر عليها إلا أصحاب العزائم، والإرادة القوية، جاء ختم هذه الوصايا بأنها: (من عزم الأمور) أي من الأمور الواجبة التي لارخصة للمسلم في تركها، ويجب بذل الجهد، ومجاهدة النفس، وتحمل المشاق للقيام بشأنها.

7 ـ ثم حذر لقمان ابنه من خصلة مذمومة عند الله والناس فقال وهو

يعظه: [ولا تصعر خدك للناس] أي لا تمل وجهك وتعرض عن الناس تكبراً، [ولا تمش في الأرض مرحاً] أي خيلاء إعجاباً بنفسك [إن الله لا يحب كل مختال فخور] متكبر متعاظم.

والنهي عن الشيء أمر بضده فحيث نهى لقمان ابنه عن التكبر فقد أراد بذلك أن يغرس في نفس ابنه قيمة أخلاقية ممدوحة وهي: [خلق التواضع].

وليس بخاف على أحد رذيلة التكبر وفضيلة التواضع عند الله والناس، فإن أول سقوط وإصابة للنفس كانت بسبب التكبر والاستعلاء من الشيطان الرجيم حيث أمره الله تعالى بالسجود لآدم تكريماً فأبى تكبراً وقال غروراً [أنا خير منه] 12/الأعراف فطرد من رحمة الله.

وبذلك كان التكبر أكبر ذنب يقترفه الإنسان ويحجبه عن دخول الجنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر] رواه مسلم.

وإنما جاء التأكيد من لقمان لابنه على ذم التكبر والتحذير منه دون غيره لما يجره بعده من الشرور والآثام إذ هو أصل كل شر ورذيلة.

8 ـ ثم لفت لقمان بعد ذلك نظر ابنه إلى أمور سلوكية تتعلق باتزان الشخصية وكمالها وهي: (أدبه في السير والحديث).

فوجهه إلى التوسط في مشيته والاعتدال في سيره بين الإسراع والبطء فقال له: [واقصد في مشيك] إذ الإسراع في السير يذهب بهاء الإنسان، والبطء يشعر بالضعف، كما في الوصية إشارة مؤكدة لما سبق من نبذ التكبر والتحلي بالتواضع أي لا تمشِ مشية المتكبر كما قال الله تعالى {ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً {} كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً} 38 / الإسراء. ثم وجه لقمان ابنه إلى أدب الحديث والخطاب فقال له واعظاً [واغضض من صوتك] أي اخفض منه أثناء الحديث والخطاب فلا ترفعه عالياً فإنه لا يجمل بالعاقل، لأن من رفع صوته عالياً شابه الحمار في صوته المنكر [إن أنكر الأصوات لصوت الحمير]. وفي غض الصوت أدب راق، وثقة بالنفس، وامتلاك لناصية الكلمة، واطمئنان من الغير إلى صدق حديثه واعتدال مزاجه.

هذا ولا يخفى ما لهاتين الموعظتين من أثر تربوي في بناء الشخصية المتزنة. فيحسن بالأبناء التحلي بهما والاهتمام بشأنهما، وعلى الآباء ملاحظتهما في شخصية أبنائهم.

الأبعاد التربوية في مواعظ لقمان لابنه:

نلمح من مواعظ لقمان لابنه عدة أبعاد تربوية نجملها بالتالي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير