تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والقراءتان بالنسبة لنا قراءتان سبعيَّتان مقبولتان بلا إشكال، لكن كانت القراءة الأخرى بالنسبة للطبري (ت: 310) شاذَّةً لمخالفتها قول الجمهور من القراء، وقراءة الجمهور عنده معتبرة، وهو يحكيها على أنها إجماعٌ والإجماع حجة، وما خالف الإجماع من قول الواحد والاثنين فلا اعتبار به عنده، وعلى هذا سار في حكاياته للإجماع في التفسير والقراءات وغيرهما.

وعلى هذا فهو سائر على منهجٍ علميٍّ صحيح، لكن النتيجة التي حكم بها يخالفه غيره فيها، وقول غيره هو المقدم، وهم جمهور علماء القراءة الذين قبلوا هذه القراءة التي شذَّذها.

ومن هنا أقول: إنَّ الحكم بشذوذ القراءة عند الطبري وغيره مما يحتاج إلى دراسة وبحث عميق.

وأعود فأقول: إنه إذا كان يحكم على القراءة بالشذوذ بالنسبة إلى ما وصله من علم بهذه القراءة، فكيف يقال إنه ينكر القراءة المتواترة، أو أنه يردها؟!

هل أثبت الطبري تواترها ثمَّ طعن فيها وردَّها؟!

ولو تنبَّه من اعترض على ابن جرير إلى هذه المسألة لما أصدر هذا الحكم، وهو أنَّ ابن جرير ينكر القراءات المتواترة، أو يعترض عليها وينتقدها.

ثمَّ إنَّ ابن جرير له منهجٌ علميٌّ واضح في نقد القراءات، وهذا المنهج الذي تبِعه لم يكن بدعًا فيه، بل سار عليه فيه من قبله، كما سار عليه من بعدَه.

وقد أشار إلى طرفه في كتابه الجامع، قال أبو عبد الله المنتوري (ت: 834) في كتابه شرح الدرر اللوامع في أصل مقرأة نافع (2: 864): ((وقال الطبري في الجامع: ثم كل من اختار حرفًا من المقبولين من الأئمة المشهورين بالسنة والاقتداء بمن مضى من علماء الشريعة = راعى في اختياره:

الرواية أوَّلاً.

ثمَّ موافقة المصحف الإمام ثانيًا.

ثم العربية ثالثًا.

فمن لم يراع الأشياء الثلاثة في اختياره لم يُقبل اختياره، ولم يتداولْه أهل السنة والجماعة)).

وهذه الأصول الثلاثة التي أشار إليها هي التي سار عليها العلماء في توثيق القراءة ونقدها، ولهم في ذلك نصوص وتطبيقات يعرفها من قرأ في كتب القراءات وتوجيهها.

وهذا المنهج الذي سار عليه الطبري في قبول القراءة أو نقدها منهج علميُّ معتبر عند غيره، وقد أفاض في بيان ذلك الباحث (زيد بن علي مهارش) المحاضر بكلية المعلمين بجيزان في رسالته الماتعة (منهج ابن جرير الطبري في القراءات وضوابط اختيارها في تفسيره) تحت باب بعنوان (ضوابط اختيار القراءة عند الطبري).

ولولا خشية الإطالة لذكرت لك من عبارات العلماء ما تواطأت مع عبارته في اعتبار هذه الشروط الثلاثة.

ولأجل صحة الرواية ردَّ قراءة ابن عامر ولم يقبلها، وقد علل لذلك فقال: ((وقد زعم بعضهم أن عبد الله بن عامر أخذ قراءته عن المغيرة بن أبي شِهاب المخزومي وعليه قرأ الْقُرْآن، وأن المغيرة قرأ على عثمان رضي الله عنه.

وهذا غير معروف عن عثمان، وذلك أنا لا نعلم أن أحدا ادعى أنَّ عثمان أقرأه الْقُرْآن، بل لا نَحْفَظ عنه من أحرف الْقُرْآن إلا أحرفا يسيرة، ولو كان سبيله في الانتصاب لأخذ القرآن على من قرأ عليه السبيل التي وصفها الراوي عن المغيرة بن أبي شهاب ما ذكرنا، كان لا شك قد شارك المغيرة في القراءة عليه والحكاية عنه غيره من المسلمين، إما من أدانيه وأهل الخصوص به، وإما من الأباعد والأقاصي، فقد كان له من أقاربه وأدانيه من هو أمس رحماً، وأوجب حقا من المغيرة، كأولاده وبني أعمامه ومواليه وعشيرته من لا يحصي عدده كثرة، وفي عدم مدعي ذلك عن عثمان الدليل الواضح على بطول قول من أضاف قراءة عبد الله بن عامر إلى المغيرة بن أبي شهاب، ثم إلى أن أخذها المغيرة بن أبي شهاب عن عثمان قراءة عليه.

وبعدُ، فإنَّ الَّذِي حكى ذلك وقاله رجل مجهول من أهل الشام لا يعرف بالنقل في أهل النقل، ولا بالْقُرْآن في أهل الْقُرْآن، يقال عراك بن خالد المري، ذكر ذلك عنه هشام بن عمار، وعراك لا يعرفه أهل الآثار ولا نعلم أحدا روى عنه غير هشام بن عمار.

وقد حدثني بقراءة عبد الله بن عامر كلها العباس بن الوليد البيروتي وقال حدثني عبد الحميد بن بكار عن أيوب بن تميم عن يحي بن الحارث عن عبد الله بن عامر اليحصبي أن هذه حروف أهل الشام التي يقرءونها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير