ولكن الذي يرجح أنه كتاب ألفه السدي، جمع فيه التفسير، بهذه الطرق الثلاث، قول أحمد بن حنبل في التهذيب 1: 314، في ترجمة السدي: "إنه ليحسن الحديث، إلا أن هذا التفسير الذي يجئ به، قد جعل له إسنادًا، واستكلفه". وقول الحافظ في التهذيب أيضًا 1: 315: "قد أخرج الطبري وابن أبي حاتم وغيرهما، في تفاسيرهم، تفسير السدي، مفرقًا في السور، من طريق أسباط بن نصر عنه".
وقول السيوطي في الإتقان 2: 224 فيما نقل عن الخليل في الإرشاد: "وتفسير إسماعيل السدي، يورده بأسانيد إلى ابن مسعود وابن عباس. وروى عن السدي الأئمة، مثل الثوري وشعبة. ولكن التفسير الذي جمعه، رواه أسباط بن نصر. وأسباط لم يتفقوا عليه. غير أن أمثل التفاسير تفسير السدي". ثم قال السيوطي: "وتفسير السدي، [الذي] أشار إليه، يورد منه ابن جرير كثيرًا، من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، و [عن] ناس من الصحابة. هكذا. ولم يورد منه ابن أبي حاتم شيئًا، لأنه التزم أن يخرج أصح ما ورد. والحاكم يخرج منه في مستدركه أشياء، ويصححه، لكن من طريق مرة عن ابن مسعود وناس، فقط، دون الطريق الأول، وقد قال ابن كثير: إن هذا الإسناد يروي به السدي أشياء فيها غرابة".
وأول ما نشير إليه في هذه الأقوال: التناقض بين قولي الحافظ ابن حجر والسيوطي، في أن ابن أبي حاتم أخرج تفسير السدي مفرقًا في تفسيره، كما صنع الطبري، في نقل الحافظ، وأنه أعرض عنه، في نقل السيوطي. ولست أستطيع الجزم في ذلك بشيء، إذ لم أرَ تفسير ابن أبي حاتم. ولكني أميل إلى ترجيح نقل ابن حجر، بأنه أكثر تثبتًا ودقة في النقل من السيوطي.
ثم قد صدق السيوطي فيما نقل عن الحاكم. فإنه يروي بعض هذا التفسير في المستدرك، بإسناده، إلى أحمد بن نصر: "حدثنا عمرو بن طلحة القناد حدثنا أسباط بن نصر، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، عن مرة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم". ثم يصححه على شرط مسلم، ويوافقه الذهبي في تلخيصه. من ذلك في المستدرك 2: 258، 260، 273، 321.
والحاكم في ذلك على صواب، فإن مسلمًا أخرج لجميع رجال هذا الإسناد. من عمرو بن حماد بن طلحة القناد إلى مرة الهمداني. ولم يخرج لأبي صالح باذام ولا لأبي مالك الغفاري، في القسم الأول من الإسناد الذي روى به السدي تفاسيره).
ــــــــــ
ثم علق الشيخ أحمد شاكر هنا على كلمة الإمام أحمد في تفسير السدي فقال:
(أما كلمة الإمام أحمد بن حنبل في السدي "إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به، قد جعل له إسنادًا واستكلفه" فإنه لا يريد ما قد يفهم من ظاهرها: أنه اصطنع إسنادا لا أصل له؛ إذ لو كان ذلك، لكان -عنده- كذابًا وضاعًا للرواية.
ولكنه يريد -فيما أرى، والله أعلم- أنه جمع هذه التفاسير، من روايته عن هؤلاء الناس: عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة، ثم ساقها كلها مفصلة، على الآيات التي ورد فيها شيء من التفسير، عن هذا أو ذاك أو أولئك، وجعل لها كلها هذا الإسناد، وتكلف أن يسوقها به مساقًا واحدًا.
أعني: أنه جمع مفرق هذه التفاسير في كتاب واحد، جعل له في أوله هذه الأسانيد. يريد بها أن ما رواه من التفاسير في هذا الكتاب، لا يخرج عن هذه الأسانيد. ولا أكاد أعقل أنه يروي كل حرف من هذه التفاسير عنهم جميعا. فهو كتاب مؤلف في التفسير، مرجع فيه إلى الرواية عن هؤلاء، في الجملة، لا في التفصيل.
إنما الذي أوقع الناس في هذه الشبهة، تفريق هذه التفاسير في مواضعها، مثل صنيع الطبري بين أيدينا، ومثل صنيع ابن أبي حاتم، فيما نقل الحافظ ابن حجر، ومثل صنيع الحاكم في المستدرك. فأنا أكاد أجزم أن هذا التفريق خطأ منهم، لأنه يوهم القارئ أن كل حرف من هذه التفاسير مروي بهذه الأسانيد كلها، لأنهم يسوقونها كاملة عند كل إسناد، والحاكم يختار منها إسنادًا واحدًا يذكره عند كل تفسير منها يريد روايته. وقد يكون ما رواه الحاكم -مثلا- بالإسناد إلى ابن مسعود، ليس مما روى السدي عن ابن مسعود نصًا. بل لعله مما رواه من تفسير ابن عباس، او مما رواه ناس من الصحابة، روى عن كل واحد منهم
¥