قال عنه الإمام العقيلي في كتابه الضعفاء: «ضعيف، و كان يتناول الشيخين».
وقال عنه الجوزجاني: «كذاب شتام».
وقال حسين بن واقد المروزي (قاضي فاضل): «قدمت الكوفة فأتيت السدي فسألته عن تفسير آية من كتاب الله، فحدثني بها. فلم أتم مجلسي، حتى سمعته يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فلم أعد اليه».
وقال ليث بن أبي سليم (وهو من أئمة السنة وإن كان حفظه ضعيفاً): «كان بالكوفة كذّابان فمات أحدهما السدّي والكلبي».
فقول الدكتور: "لم يظهر اتهام السدي بالتشيع إلا في النصف الأول من القرن الثامن على لسان الذهبي ... " فيه تلبيس واضح ومكابرة أمام الحقائق. فالسدي رموه بالتشيع والرفض بعض أهل زمانه وشهدوا عليه بذلك، وهم ثقات. فكيف يزعم الدكتور هذا الزعم؟ وهذا كفيل بإسقاط ما قال عنه.
أما ترجيح الشيخ أحمد شاكر فمردود لأنه معروف -رحمه الله- بتساهله البالغ. وأي خلاف في الراوي يجعله رجلاً ثقة حتى وإن كان اعترف بنفسه أنه كذاب. لكن القاعدة عند علماء الجرح والتعديل أن الجرح مقدم على التعديل. وهذا متحقق هنا تماماً. والسدي الكبير أثبتوا عليه الرفض وأثبتوا عليه الكذب، وكلام الجارحين أكثر من كلام المعدلين. فلا شك في ترجيح الجرح على التعديل.
وزعمه بأن كلمة الشعبي هي الأساس لا صحة لها. فالشعبي لم يتهمه بالرفض والكذب، وإنما أنكر عليه أمور باطلة في تفسيره. ولعل مما أنكره الإسرائيليات التي حشاها أو ربما روايته عن كذابين كأبي صالح أو ربما تصدره للعلم وليس بأهل له. أما باقي الأئمة فلم يكن عندهم التقليد سائداً. عدا أن منهم من سمع منه شتم الشيخين. وزعم الشيخ أحمد شاكر بأن البخاري لم يعبئ بهذا القول لا مستند له من الصحة. ومعلوم أن البخاري غالبا لا يورد في تراجم تاريخه إلا القليل من أقوال الجرح والتعديل.
وإجمالاً فالسدي الكبير أثنى على عدالته القطان والنسائي وابن عدي وأحمد (في رواية). وجرحه أحمد (في رواية) وابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والشعبي وابن مهدي والعقيلي والساجي والطبري وشعبة. واتهمه بالكذب الحافظ السعدي وليث بن أبي سليم (وهو من أئمة السنة وإن كان حفظه ضعيفاً) والمعتمد بن سليمان.
فكما تلاحظ أن عدد الجارحين أكثر، وهو جرح مفسسر. ولا شك أنه ينبغ تقديمه على التعديل.
ملاحظات على كلام الشيخ أحمد شاكر:
عمرو بن حماد بن طلحة القناد صدوق رافضي. فهو من أهل الصدق لكن هذا دون التوثيق، حيث له مناكير ذكروا بعضها في ترجمته. وهو رافضي يشتم عثماناً.
أسباط بن نصر الهمداني أكثرهم ضعفوه، ويبدو أن عامة أحاديثه قد قلب أسانيدها.
الكذب ثابت عن أبي صالح، وقد قال ابن عدي عنه: «لم أعلم أحداً من المتقدمين رضيه». وقد تركه ابن مهدي، ونهى مجاهد (وهو أعلم الناس بابن عباس) عن تفسيره، مما يدلك على سوءه. وكان الشعبي يأخذ بأذنه ويهزها ويقول: «ويحك! تفسر القرآن، وأنت لا تحسن تقرأ؟! وضعف تفسيره مغيرة كذلك، وتعجب ممن يروي عنه. ورماه بالكذب النسائي والجوزقاني والأزدي، وهو في كل الأحوال لم يسمع من ابن عباس كما نص ابن حبان. ونقل سفيان عن الكلبي اعتراف أبي صالح له بأنه كذاب، وسفيان إمام يميز بين صدق الكلبي وكذبه. والحقيقة أن باذان متفق على ضعفه، وما وثقه إلا العجلي المعروف بتساهله.
أما تفسير الشيخ لقول أحمد بن حنبل فيظهر بطلانه لو قرأنا رواية أحمد بن محمد عنه وقد سبق ذكرها ... لاحظ قوله: قلت: «ذاك (التفسير) إنما يرجع الى قول السدي؟». فقال: «من أين (إذاًَ)، وقد جعل له أسانيد؟ ما أدري ما ذاك».
فالإمام أحمد يرى أن ذلك التفسير يرجع بالنهاية لقول السدي وأن تلك الأسانيد مختلقة. ولو فرضنا صحة ما جاء بها الشيخ من أن تلك الأسانيد جمعية وقد اختلط كلام الرواة بعضهم ببعض، فهذا يثبت سقوط تفسير السدي كله، لأن كثيراً منه قد جاء عن باذان المتروك. فتأمل ...
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[29 Oct 2003, 10:29 ص]ـ
للفائدة:علق الشيخ أبو إسحاق الحويني في تحقيقه لتفسير ابن كثير على إسناد السدي الكبير في قرابة ثلاث صفحات 1/ 488 - 490 تعليقاً جيداً، قال في آخره: وجملة القول: أن إسناد تفسير السدي جيد حسن. والله أعلم.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر خلاصة القول فيه في كتابه: العجاب في بيان الأسباب 1/ 211 فقال: وهو كوفي صدوق.
ويبقى سؤال مهم أرجو من أهل الشأن الجواب الحق عنه، وهو:
هل الجرح مقدم على التعديل دائماً؟
وأختم بتنبيه لي وللإخوة طلبة العلم الذين يهتمون بدراسة الأسانيد والحكم على الرجال، وهو: القصد القصد، والتثبت التثبت. ولنتجنب إصدار الأحكام الصارمة النهائية - كما هو ظاهر من عنوان مقالة الأخ محمد الأمين -
أفلا يكفينا عرض أقوال أئمتنا في حاله، ثم نحاول ترجيح ما نراه راجحاً منها، من غير حاجة إلى الشدة والجرأة، وكأننا ممن عاش مع الراوي وعرف مدخله ومخرجه، ولم يخف عليه شيء من أمره.
وفقنا الله لما يحب ويرضى من أدب العلم، وحسن القول.
¥