تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأنذرهم الله تعالى وتوعّدهم أنه كما أهلك أصحاب الفيل، الذين جاؤوا ليهدموا بيته وجعلهم كعصف مأكول فكذلك سيدمّرهم إن لم ينتهوا عمّا هم فيه من إخراب هذا البيت، فإنهم إذا وقفوا من البيت موقف أصحاب الفيل فلا جرم أنهم سيذوقون ما ذاق هؤلاء من تعذيب وتنكيل.

وقد جاءت مثل هذه الإنكارات في عدّة مواضع، قال تعالى:

((إن الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءً العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحادبظلم نذقه من عذاب أليم)) (الحج: 25).

((وما لهم ألا يعذّبهم الله وهم يصدّون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكنّ أكثرهم لا يعلمون)) (الأنفال: 34).

ثم جاءت سورة (قريش) موعظة لهم وتذكيراً بواجبهم بعد ما سبقه من إنذار وتهديد. فذكر الله فيها نعمته السابغة وفضله العميم على قريش إذ كانت قوافلهم التجارية تخرج في الصيف إلى الشام وفي الشتاء إلى اليمن، وكانوا يرحلون آمنين مطمئنّين ويعودون سالمين غانمين، وما كان يطمع فيهم طامع .. وما كان هذا كله إلا لأنهم جيران بيت الله الحرام.

فذكّرهم الله تعالى ما يجب عليهم لقاء هذه الكرامة والرفاهية التي أفيضت عليهم، وهو أن يعبدوا ربّ هذا البيت، الذي يسعدون بجواره وينعمون ببركاته، وأن يطرحوا ما فيه من أصنام، ويعيدوه - كما كان - مركزاً للتوحيد ومثابة للأنام.

وقرن هذه السورة بسورة (الفيل) حتى لا يغترّوا بالنعم والرفاهية التي يغدون فيها ويروحون وينهلون منها ويعلّون، ويتذكّروا أن هذه الرفاهية ليست إلا فيضاً من فيوض الكعبة - شرّفها الله - فإن لم يراعوا حرمتها ولم يعودوا إلى رسالتها وأهدافها ولم ينتهوا عن السعي في خرابها فلا يأمننّ أن يلاقوا ما لاقاه أصحاب الفيل من خزي ولعنة إلى يوم القيامة.

ثم جاءت سورة (الماعون)، جاءت تصبّ عليهم البلاء، وتهدّدهم بالويل والشقاء، فإنهم كذّبوا بيوم الدين ولم يعبدوا ربهم ولم يحافظوا على صلاتهم. ثم إنهم كانوا يصلّون، ولكن صلاتهم كانت تبعد كل البعد عن التي أشار إليها أبوهم إبراهيم - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام - حيث قال: ((ربّنا إني أسكنت من ذرّيتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربّنا ليقيموا الصلاة)) (إبراهيم: 37). ودعا ربّه فقال: ((ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذرّيتي ربّنا وتقبّل دعاء)) (إبراهيم: 40). وإنما كانت صلاتهم حيث وصفها القرآن فقال: ((وما كان صلاتهم عند البيت إلا مُكاءً وتصدية)) (الأنفال: 35).

وهكذا كانوا يصلّون وكانوا عن صلاتهم ساهين. ثم لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل قست قلوبهم حتى كانوا يدعّون اليتيم ويمنعون الماعون ولا يحضّون على طعام المسكين. وهكذا هدموا العمودين الذين رُفعت عليهما قواعد البيت، وهما الصلاة والزكاة، أو العبادة والمواساة. فلم يبق لهؤلاء الفجرة إلا أن يُلعنوا ويُخرجوا من هذا البيت وولايته ويُتخلّى المكان لأهله، كما قال تعالى: ((وما لهم ألا يعذّبهم الله وهم يصدّون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون * وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون)) (الأنفال: 34 - 35). وقال تعالى: ((ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون * إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين)) (التوبة: 17 - 18). وعلى هذا كانت سورة (الماعون) بمثابة النداء من إله هذا الكون بأنهم عُزلوا عن هذا المنصب الكريم، وحُرموا هذا الشرف العظيم، وقضى الويل واللعنة عليهم أجمعين.

ثم جاءت سورة (الكوثر) لتحمل البشرى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضوان الله عليهم أجمعين - بأن الله قد اختارهم لهذا الشرف الأكبر ومنّ عليهم بهذا الخير الكوثر، مع التنبيه إلى ما يتبع هذا العطاء من مسؤولية كبيرة ضخمة، ألا وهي إحياء ما أماته المشركون من معالم التوحيد، الذي أُسّس عليه هذا البيت العتيق، حيث قال تعالى: ((إنا أعطيناك الكوثر * فصلّ لربّك وانحر * إن شانئك هو الأبتر)) (الكوثر: 1 - 3).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير