4 - وذهب جمع غفير من العلماء من أبرزهم أبو الفضل الرازي وابن قتيبة وابن الجزري وغيرهم إلى أن الأحرف السبعة هي سبعة أوجه لا يخرج عنها الاختلاف في القراءات وهى:
- اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث0
- اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر0
- اختلاف وجوه الإعراب0
- اختلاف بالنقص والزيادة0
- الاختلاف بالتقديم والتأخير0
- الاختلاف بالإبدال0
- اختلاف اللهجات كالفتح والإمالة والتفخيم والترقيق والإظهار والإدغام0
وقد لقي هذا الرأي شهرة ورواجا عند كثير من العلماء وقد تعصب له الشيخ عبد العظيم الزرقاني في مناهل العرفان ورجحه على غيره وساق الأمثلة لكل وجه منها وقرر أنه الرأي الذي تؤيده الأحاديث الواردة في هذا المقام، وأنه الرأي المعتمد على الاستقراء التام دون غيره، ورد على كل اعتراض وجه إليه وإن بدا عليه التكلف في بعض هذه الردود0
* واعترض على هذا الرأي بأن الرخصة في التيسير على الأمة بناء على هذا الرأي غير واضحة ولا ظاهرة، فأين الرخصة في قراءة الفعل المبني للمعلوم مبنيا للمجهول أو العكس، وأين هي أيضا في إبدال حركة بأخرى، أو حرف بآخر، أو في تقديم وتأخير، فإن القراءة على وجه من هذه الوجوه المذكورة لا يوجب مشقة في شيء، يُحتاج معها إلى أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه المعافاة لعلة أن الأمة لاتطيق القراءة على وجه واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من هذه الوجوه المذكورة، كما جاء ذلك في الأحاديث النبوية التي تدثت عن قضية نزول القرآن على سبعة أحرف0
5 - وذهب سفيان بن عيينة وابن جرير وابن وهب والقرطبي ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء إلى أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات في كلمة واحدة تختلف فيها الألفاظ مع اتفاق المعاني وتقاربها مثل (هلم، أقبل، تعال، إلى، قصدي، نحوي، قربي) فإن هذه سبعة ألفاظ مختلفة يعبر بها عن معنى واحد وهو طلب الإقبال، والمقصود أن منتهى ما يصل إليه عدد الألفاظ المعبرة عن معنى واحد هو سبعة وليس المقصود أن كل معنى في القرآن عبر عنه بسبعة ألفاظ من سبع لغات 0
وأصحاب هذا الرأي أيدوا كلامهم بأن التيسير المنصوص عليه في الأحاديث متوفر في هذا الرأي ثم هم يرون أن الباقي من هذه اللغات الست أو الحروف الستة هو حرف قريش دون غيرهم0
واعترض على هذا الرأي بأنه يترتب عليه أن يكون عثمان رضي الله عنه قد نسخ الأحرف الستة التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مما يقرأ بها0 وأجيب عن ذلك بأن ذلك لا يعد نسخا ولا رفعا ولا إهمالا من الأمة للأحرف الستة الأخرى لأن الأمة قد أمرت بقراءة القرآن وخيرت في قراءته بأي من الأحرف السبعة ولم يجب عليها قراءته بجميعها، فاختيار حرف منها لا يعد جرما ولا نسخا للأحرف الباقية خاصة أن الحاجة قد دعت إلى ذلك بعد وقوع الاختلاف والتنازع بين الصحابة في فتح أرمينية وأذربيجان، الأمر الذي اضطُر معه عثمان إلى جمع المصحف وكتابته بحرف قريش لأن لغة قريش كانت تعتبر مركزا لسائر اللغات العربية، بسبب موقع البيت الحرام ببلدهم مكة المكرمة وانتقال سائر القبائل إليهم لحج البيت0
واعترض عليه أيضا بأن هناك قراءات متواترة هي من الأحرف السبعة وردت في الموضع الواحد ولا تفيد الاتفاق في المعنى، بل لكل منها معنى مغاير فكيف يدَّعى أن الأحرف السبعة سبع لغات متحدة المعنى؟
وبعد هذا العرض يتضح لنا أنه ما من رأي إلا واعترض عليه بما قد عرفت غير أن الرأيين الأخيرين هما أكثر الآراء شهرة وقبولا لدى أهل العلم، والأخير منهما أولى الرأيين من وجهة نظري لكن مع بعض التصورات والإضافات التي سأطرحها الآن:
وذلك أنه يترجح لديّ أن الأحرف السبعة هي سبع لغات أو لهجات من لهجات العرب بما تحويه صوتيات هذه اللغات وهيئات النطق فيها كالإمالة والإدغام والروم والإشمام والتفخيم والترقيق .... إلخ وليس شرطا أن تكون المعاني في كل هذه اللغات واحدة بل الثابت أن تعدد القراءات التي هي تابعة للأحرف السبعة بلا ريب قد ترتب عليه اتساع المعاني وتنوعها، والقراءة مع القراءة كالآية مع الآية، ولا شك أن هذه حكمة عليا من الحكم التي انطوى عليها نزول القرآن على سبعة أحرف، فلم يكن التهوين والتيسير على الناس في النطق خاليا من ثراء في المعنى، ونماء في الأفكار التي يحويها النص الكريم، ويعرف ذلك جيدا كل من
¥