تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الجُبَّائِىّ: "كان في لسانه لُثْغَة، فرفعها الله تعالى، وبقي فيه ثقل". ويرى الطاهر بن عاشور فى تفسيره أنه "ليس مقام موسى يومئذٍ مقام خطابة ولا تعليم وتذكير حتى تكون قلة الفصاحة نَقْصا في عمله، ولكنه مقام استدلال وحجة، فيكفي أن يكون قادرا على إبلاغ مراده ولو بصعوبة. وقد أزال الله عنه ذلك حين تفرغ لدعوة بني إسرائيل كما قال: "قد أوتيت سُؤْلك يا موسى" ... ".

ولا ينبغى فى هذا السياق أن ننسى أن موسى كان يعلم أنه ستظل هناك مشكلة فى مقدرته التعبيرية، وهو ما يرشح لأن يكون فى تعليق فرعون ولو بعض الصحة. ذلك أننا نجد موسى فى سورة "القصص" يخاطب ربه قائلا: "قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) "، وهو ما قالته سورة "الشعراء" أيضا: "قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) ". ويفهم مما قالته السورتان أن هارون سوف يكون هو المتكلم بالنيابة عن موسى، أو على الأقل: سوف يساعده فى تبليغ كلامه إلى فرعون وحاشيته. وعلى هذا فمن الجائز جدا أن تكون الإشارة فى حديث فرعون موجهة إلى هذه النقطة، وهى أن موسى كان يشرح لهارون المراد تبليغه، فيقوم هارون بالتبليغ الفعلى، مما رأى فيه فرعون فرصة للنيل من موسى وتحقير أمره بقوله إنه "مَهِينٌ ولا يَكَادُ يُبِينُ". وربما كان خوف موسى من محاكمتهم له على قتله المصرى (على سبيل الخطإ طبعا) سببا آخر يزيد الكلام ثقلا عليه.

على أن من المحتمل، فى ضوء تأكيد آية سورة "طه" لاستجابة الله سؤل موسى، فيما لو فهمناها طبعا على أساس أن العقدة قد أزيلت تماما، أن تكون إشارة فرعون إلى ضعف إبانة موسى عما يريد توصيله من معان وأفكار هى إشارة كاذبة. وليس هذا بالشىء الغريب، فمعروف أن الطغاة والمستبدين هم من أكذب الناس وأفجرهم فى المزاعم والادعاءات، وأن دَيْدَنهم إلصاق التهم بمعارضيهم حتى يسقطوهم من أعين الجماهير فلا تستمع الجماهير إليهم ولا تنفعل بما يقولون ولا تتبع سبيلهم ولا تصدقهم. ودليلنا على ذلك موجود فى قصة موسى وفرعون ذاتها، علاوة على ما نعرفه من واقع الحياة وألاعيب السياسة وأكاذيب دهاقنتها. قال تعالى فى سورة "طه"، والكلام فى الآية الأولى عن فرعون وتكذيبه بالآيات التى جاءه بها موسى وهارون: "وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) ". فهل فعلا قد جاء موسى ليخرج المصريين من أرضهم، وهو الذى أعلن مهمته منذ البداية واضحة صريحة، ألا وهى موافقة فرعون على إخراج بنى إسرائيل من أرض مصر مع موسى سالمين. فانظر كيف قلب فرعون الحقائق قلبا! إنه يزعم أن موسى إنما يريد إخراج المصريين من بلادهم، على حين أن موسى إنما كان يريد إخراج الإسرائيليين من مصر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير