تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ حَيْثُ السِّيَاقُ، مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي رِوَايَةِ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ، أَيْ: إِذَا انْقَضَتِ الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي حَرَّمْنَا عَلَيْكُمْ قِتَالَهُمْ فِيهَا، وَأَجَّلْنَاهُمْ فِيهَا، فَحَيْثُمَا وَجَدْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ; لِأَنَّ عَوْدَ الْعَهْدِ عَلَى مَذْكُورٍ أَوْلَى مِنْ مُقَدَّرٍ.

*فخلاصة الخلاف على قولين: أحدهما أنها رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم قاله الأكثرون.

والثاني أنها الأربعة الأشهر التي جعلت لهم فيها السياحة قاله الحسن في آخرين فعلى هذا سميت حرما لأن دماء المشركين حرمت فيها.

" فاقتلوا المشركين ": الْأَمْرُ فِي فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ لِلْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَأْمُورَاتِ عَلَى حِدَةٍ، أَيْ فقد أذن لكل فِي قَتْلِهِمْ، وَفِي أَخْذِهِمْ، وَفِي حِصَارِهِمْ، وَفِي مَنْعِهِمْ مِنَ الْمُرُورِ بِالْأَرْضِ الَّتِي تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ يَعْرِضُ الْوُجُوبُ إِذَا ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ حُرْمَةَ الْعَهْدِ قَدْ زَالَتْ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ شُرِعُ الْجِهَادُ وَالْإِذْنُ فِيهِ وَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرُ الْإِسْلَامِ .. وَقَدْ عَمَّتِ الْآيَةُ جَمِيعَ الْمُشْرِكِينَ وَعَمَّتِ الْبِقَاعَ إِلَّا مَا خَصَّصَتْهُ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

*ولفظة "المشركين" هنا عام في كل مشرك، لكن السنة خصت منه المرأة والراهب والصبي وغيرهم.

*ومطلق قوله:" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ" يقتضي جواز قتلهم بأي وجه كان، إلا أن الاخبار وردت بالنهي عن المثلة. ومع هذا فيجوز أن يكون الصديق رضي الله عنه حين قتل أهل الردة بالإحراق بالنار، وبالحجارة وبالرمي من رءوس الجبال، والتنكيس في الآبار، تعلق بعموم الآية. وكذلك إحراق علي رضي الله عنه قوما من أهل الردة يجوز أن يكون ميلا إلى هذا المذهب، واعتمادا على عموم اللفظ، والله أعلم.

" فاقتلوا المشركين ": في أي مكان من أمكنة الأرض وجدتموهم فاقتلوهم.

*وقال بعض العلماء: هذا ما لم يكونوا في الحرم، فالعموم هنا يخصصه قوله تعالى: (ولا تقاتلوا المشركين)، وعلى هذا القول لا يجوز قتال المشركين في الحرم إلا إذا بدؤوا بالقتال، وبه قال جماعة من أهل العلم.

وقال جماهير من أهل العلم: إنهم يقتلون في كل مكان، كما دل عليه عموم (حيث) هنا وإن كانوا في الحرم. قالوا: أما آية " ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يُقاتلوكم فيه .. "

فإنها كانت من مراحل تشريع القتال، فالقتال لما كان عظيما شاقا على النفوس؛ لما في من تعريض المهج والأموال للتلف أذن في أولا من غير أمر به في قوله تعالى: " أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير "، أذن فيه أولا ثم أوجبه في حال دون حال، فأوجب عليهم قتال من قاتلهم دون من لم يقاتلهم، ثم لما استأنست النفوس بالقتال، وتمرنت عليه، أوجبه إيجابًا باتًا عامًا بقوله هنا " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد .. ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير