تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم إن بعض العلماء قالوا: إن الكتابي لا يدخل في اسم المشركين؛ لأنه غاير بين أهل الكتاب والمشركين في آيات كثيرة، والتحقيق أن الكتابيين نوع من المشركين، قال تعالى في هذه السورة الكريمة: " اتخذوا أحبارهم ورهبنهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أُمروا إلا ليعبدوا إلها وحدا لا إله إلا هو سبحنه عما يُشركون "، فصرح تعالى بأنهم مشركون إلا أنه نوع خاص من المشركين، ربما أدخل في عمومهم، وربما أفرد منهم، كأنه غير داخل فيهم؛ للفوارق التي بين الكتابيين وعبدة الأصنام كما هو معروف.

وقوله: {وَخُذُوهُمْ} عطف على اقتلوا، أي: وأسروهم، إن شئتم قتلا وإن شئتم أسرا.

وقوله: {وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} عطف أيضًا، أي: لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم، بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم، والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع، وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام.

وقيل: امنعوهم من دخول مكة والتصرف في بلاد الإسلام.

ثم اختلفوا في هذه الآية، فقال الحسين بن الفضل: نسخت هذه كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء.

وقال الضحاك والسدي وعطاء: هي منسوخة بقوله:" فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً "؛ وأنه لا يقتل أسير صبرا، إما أن يمن عليه وإما أن يفادى.

وقال مجاهد وقتادة: بل هي ناسخة لقوله تعالى:" فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً" وأنه لا يجوز في الأسارى من المشركين إلا القتل.

والتحقيق: أن كل هذه الآيات محكم، وأنها لا ينسخ بعضها بعضًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم منذ قاتل الكفار، ربما قتل الأسير، وربما فدى الأسير، وربما من على الأسير، كل هذا يفعله صلى الله عليه وسلم، فمعلوم أنه قتل بعض الأسارى يوم بدر، قتل عقبة بن أبي معيط يوم بدر أسيرًا، وقتل النضر بن الحارث؛ ودلت قصة قتله للنضر أنه لم يكن عن وحي، ولذا لمّا أرسلت أخت –أو ابنته- قتيلة بنت الحارث –أو قتيلة بنت النضر بن الحارث-؛ شعرها للنبي صلى الله عليه وسلم، بكى حتى أخضل الدمع لحيته، وقال فيه: " لو بلغني شعرها قبل أن أقتله لعفوت عنه "؛ فدل على أنه لم يقتله بوحي من الله.

وشعرها مشهور، ومما قالت فيه:

أمحمدٌ يا خيرَ ضِنْءِ كريمةٍ في قومها والفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ

ما كان ضَركَ لو مَنَنْتَ وربما منَّ الفتى وهو المغيظُ المُحْنِقُ

فالنظر أقربُ من أسرتَ قرابةً وأحقُّهم إن كان عتقٌ يُعتقُ

وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم أبا عزة في غزاة بدر؛ لما قال له: إنه ذو بنات، ولما أمسكه بحمراء الأسد من صبيحة أحد بعد أن اشترط ألا يعين عليه المشركين، وقال له: يا محمد! عفوك مرة أخرى. فقال: لا والله، لا تحك عارضيك بين نساء مكة وتقول: غررت محمدًا مرتين!! فقتله صلى الله عليه وسلم.

فهذا كله يدل على أن الأمر في ذلك إلى الإمام، إن رأى المصلحة للمسلمين القتل قَتَل، وإن رأى أنها الفداء فدى، وإن رأى أنها المنُّ منَّ، وهذا هو التحقيق إن شاء الله.

قوله: {كُلَّ مَرْصَدٍ} قال بعض العلماء هو منصوب على أنه ظرف، قاله الزجاج وغلطه في أبو علي الفارسي، وقال إن مثل هذا لا ينصب على الظرف؛ لأن الطريق مكان محصور كالمسجد والبيت، فلا يكون ظرفا، وإنما هو منصوب بنزع الخافض.

وعلى هذا فمعنى {واقعدوا لهم كُلَّ مَرْصَدٍ} أي: لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم، بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم، والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتأخذوهم في غرتهم، وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام.

" فإن تابوا وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم " تفريع على الأفعال المتقدمة في قوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم

والتوبة عن الشرك هي الإيمان، أي فإن آمنوا إيمانا صادقا، بأن أقاموا الصلاة الدالة إقامتها على أن صاحبها لم يكن كاذبا في إيمانه، وبأن آتوا الزكاة الدال إيتاؤها على أنهم مؤمنون حقا، لأن بذل المال للمسلمين أمارة صدق النية فيما بذل فيه فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة شرط في كف القتال عنهم إذا آمنوا، وليس في هذا دلالة على أن الصلاة والزكاة جزء من الإيمان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير